آخر تحديث :الخميس-01 مايو 2025-01:27ص

مجلة جرهم


الإنسان العربي.. ملفات من المعاناة في ظل الصراع

الإنسان العربي.. ملفات من المعاناة في ظل الصراع

الأربعاء - 09 أبريل 2025 - 12:33 ص بتوقيت عدن

- مجلة جرهم - عبدالعليم أحمد & رفيق الرميش

مقدمة
ليس هناك ما هو أقبح من إنسان يهين امرأة، أو يعتدي على طفل، أو منعدم الرحمة لكبير السن، في حين نجد خبرًا في دولة متقدمة مفاده: اليوم، ألقت الشرطة القبض على شخص صفع كلبه!!.
بهذا الشكل يقدم العالم المتقدم نفسه بأنه النموذج الأفضل في بناء الإنسان وحماية الإنسانية، وقد يكون، لكن ما يلبث أن ينكشف القناع عن صورة متوحشة تسببت في العديد من الصراعات في عالمنا العربي المعاصر، وأمام مشاريعها وغاياتها تظل حقوق الإنسان هنا شماعة وأكذوبة، وفي حين يعتبر الإنسان العربي ضحيتها فإنه آلتها المدمرة!!.
إنها الحروب حين تنعكس تصرفاتها الظالمة على الأبرياء ممن يفترض أنها قامت لحمايتهم، وهكذا هو الانسان العربي في ظل هذه الصراعات، ليس إلا وقودًا للمعاناة والمآسي بكل فئاته العمرية عبر مجموعة كبيرة من القضايا التي سنجد بشاعتها تسوء كلما استعرضنا مآسي القصص في هذا الملف، ذلك أننا سنتطرق هنا إلى عدد من الدول العربية، من خلال كل دولة نناقش قضية مختلفة مع فئة عمرية مختلفة، للوصول إلى نتيجة كيف أن الإجرام والحرب متعددا الأنياب في افتراس الإنسان العربي من الطفولة حتى الكهولة، بعدد مهول من الجرائم والقضايا، والمؤسف أن يتقاسم الضحية والمجرم الهوية نفسها أحيانًا، بل قد يكون المجرم أيضًا مسؤوله وابن وطنه، حين تجرد من الإنسانية وتمرد على كل الأخلاق والقيم، بل ورهن نفسه للانتقام والاستغلال والإرهاب وللمشاريع والولاءات البعيدة.
فلسطين..
البراءة في مقصلة البرد والجوع
"هربنا من القصف ليموتوا هنا بالبرد".
طفلان توءمان تختزل أمهما بهذه الكلمات اتساع حزنها الشديد، وتختصر امتداد المعاناة المترامية الشواهد في صقيع الإنسانية والشتاء. من جحيم القصف في بيت لاهيا بمدينة غزة، هرب الفلسطيني الأربعيني يحيى البطران وزوجته نورا الحاملة في شهرها الأخير، لينتهي بهما المطاف إلى خيمة مهترئة في دير البلح، في هذه الخيمة وضعت نورا توءميها جمعة وعلي، وسط عواصف الشتاء القارس، لكن فرحتها بولادة طفليها سرعان ما تحولت إلى مأتم حينما سقط جمعة ضحية للبرد بعد عشرين يومًا فقط من ولادته، ولم يكن علي -شقيق جمعة- أوفر حظًا، إذ لحق بأخيه بعد يومين فقط، تاركًا والديه يغرقان في دوامة من الحزن والمرارة. عجزت قلوبنا المتألمة عن تصور المشهد كما عجزت الأم المكلومة عن إنقاذ صغيريها، وهي تودعهما بين ذراعيها اللذين يبحثان هما الآخران عن الدفء في ظل نار الأسى التي تعتصرها. يصف الأب تلك اللحظات بالقول: "كل ليلة تمر علينا أشبه بكابوس مستمر"، في ظل خيمة لا يملكون فيها سوى أربعة أغطية بالية بالكاد تقيهم لسعات البرد القارس ويعانون من نقص شديد في الغذاء والدواء. هكذا يقول يحيى في وقت يكافح فيه من أجل توفير لقمة العيش لعائلته المنكوبة.
وتتجاوز مأساة عائلة البطران حدود قصتهم حيث تشير التقارير إلى وفاة سبعة أطفال في غزة نتيجة البرد القارس خلال أسبوع واحد، ولا تعد قصة يحيى البطران مجرد حكاية فردية بل صرخة ألم تمثل آلاف العائلات التي تعيش تحت وطأة الاحتلال والبرد والجوع في انتظار بصيص أمل يخفف من معاناتهم.
لم يكن البرد وحده بل آلاف الأسباب والقصص والغصص على مدى عام ثقيل، وخوف وجوع وبرد وأصناف الويل التي لاحقتهم بها الحرب، وكأنها تطارد ما تبقى من طفولتهم، ولم تترك لهم سوى شبح الخوف وذكريات الألم. ولم يكن الجوع سوى وحش آخر انقض عليهم دون رحمة، حاصرهم حتى صاروا يتدافعون في طوابير طويلة بحثًا عن لقمة تسد رمقهم. وكغيره من أكثر من مليون طفل في غزة، وجد الطفل الفلسطيني الصغير عبدالرحمن نبهان، نفسه في مواجهة مصير قاس، حيث تحولت الحياة إلى سلسلة من الألم والحرمان. وفي ذات يوم من أيام الحرب الطاحنة، وقف الصغير في طابور الطعام في إحدى مدارس النصيرات، مرهقًا جائعًا، يسعى للحصول على وجبة تسد رمقه. لكنه بدلًا من الطعام، وجد نفسه في مواجهة قِدرٍ يغلي، حيث انزلقت قدماه ليسقط في مياه حارقة التهمت جسده الصغير. كانت الحروق التي أصيب بها قاسية، وأودت بحياته البريئة، ليغادر العالم جائعًا ومحترقًا، تاركًا خلفه ألمًا يعجز القلم عن وصفه.
عبد الرحمن رحل، لكن قصته ستظل شاهدًا على الخذلان، على قسوة الاحتلال، وعلى سقوط العالم في اختبار الإنسانية.
هذه القصة.. وبإمكانك أخي القارئ معرفة السبب والبحث عن حقوق الطفل وقراءتها في الواقع على امتداد الموت والإجرام في غزة وغيرها.
سورية..
المرأة والسجن والاغتصاب
في حين انبعثت للعالم قسوة الصرخات المؤلمة من غيابة صيدنايا عقب تحرير السجناء هناك من جحيم المعاناة التي قادهم إليها نظام الأسد؛ يتوقع البعض أنها هناك وحسب قد تركزت البشاعة وأنواع التعذيب والاغتصاب والانتهاكات اللاإنسانية نتيجة العدد المهول الذي رأيناه من النساء وهن غير مصدقات أنه حان خروجهن إلى الضوء بما يحملنه من قصص المعاناة وغصص السجان، الاغتصاب والانتهاكات الجسيمة والاضطهاد النفسي والجنسي والمعنوي التي عاشتها المرأة هناك كانت في كل الأراضي السورية التي لا تخلو من السجون على امتدادها.
لقد كانت تُمارس كل أشكال هذا التوحش في السجون بحق المرأة السورية كأمر اعتيادي، وكأنه جزء من "الروتين" اليومي الذي لا يعترف بأي قدسية للجسد أو للروح.
سنترك ما حصل في صيدنايا فقد صارت كثير من قصصه ظاهرة للجميع عبر وسائل الإعلام المختلفة، لننقل هنا بعض القصص من سجون أخرى.
في حماة. كانت تؤخذ مريم خليف وهي إحدى المعتقلات مع نساء أخريات إلى مقر العقيد سليمان جمعة، رئيس فرع 320 في حماة لتكون ضحية له ولأصدقائه في غرفة مجاورة لمكتبه المزين بصورة الأسد، لترتسم في مخيلتها فصول مظلمة من جحيم لا يعرف الرحمة. تروي مريم كيف كانت تشهد مشاهد لا تحتمل؛ امرأةٌ تشكو لهم جوعها، فيقوم الحراس بحشو وجهها بالبراز، في تعبير بليغ عن الوحشية التي كانت سائدة هناك.
أما بهيرة، السجينة التي نقلتها الأقدار إلى زنزانة مظلمة في حي جوبر الدمشقي، فتصف المعاناة في مكان لا يتسع للأنفاس، حيث كانت تقبع هي و35 امرأة أخرى في غرفة لا تزيد مساحتها عن 2 � 3 أمتار، والمرحاض في وسط الغرفة، دون أي خصوصية أو كرامة.
بهيرة، التي ظلت قوية أمام تحقيقات استمرت عشر ساعات متواصلة هناك، لم يستطيعوا إجبارها على الاعتراف بما لم تفعله، فتم نقلها إلى فرع الأمن السياسي في دمشق، لتستكمل رحلة الألم. وهناك في السجن، كانت معاناتها تتضاعف كلما التفتت حولها لترى آثار التعذيب على النساء الأخريات. وكانت أكثر الصور التي لا يمكن أن تغيب عن ذهنها تلك النساء الحوامل اللاتي أنجبن أطفالًا وسط جدران السجون، لتتراكم معهن معاناة أطفال نشؤوا في عالم من البؤس والحرمان والعذاب.
ميسون اللباد. الناشطة الدرعاوية. طالما كانت رمزًا للمساعدات الإنسانية وتقديم الإسعافات والخدمات الطبية للجرحى من المتظاهرين. لتجد نفسها فجأة في قبضة الاعتقال. بهذه التهمة وفي العام 2012 ألقي القبض عليها في دمشق لتبدأ رحلتها بين الزنازين والمشاهد التي تصدم الروح وتُعري الإنسانية في معتقلات الأسد.
في بداية اعتقالها، تم نقلها إلى الفرع 215، حيث أودعت في زنزانة انفرادية لمدّة شهرين كاملين، كانت خلالها تدور في دوامة من العذاب. شبح وجلد، ودولاب، أساليب تعذيب لا يُمكن أن تحتملها حتى أشد القلوب قسوة، كل ذلك لم يكن سوى جزء صغير من المأساة التي عاشتها. ثم كانت الرحلة القاسية إلى درعا، حيث نقلت في خزانة سيارة "الطبون" التي تتسع فقط لركام الذكريات الحزينة، لا لأجساد البشر. تصف اللباد الظروف في سجن عذرا، حيث الطعام كان أقرب إلى العدم، والظروف الصحية كانت أشبه بكابوس، وما بين العذاب النفسي والجسدي، لم يعد هناك من أمل سوى في معجزة تفتح أبواب الجحيم. لكن ذروة المعاناة كانت في لحظة قاسية لا تنسى: "أجبروني على التوقيع على 20 ورقة بيضاء فارغة، ثم ملؤوها بالتهم التي نسجوها لي، ليقدموها إلى المحكمة كدليل على ما لم أرتكبه".
بلا خاتمة هنا سوى الألم وهو الخلاصة.
ليبيا..
الاتـجــــار بـالبــشر..
شبابٌ في طواحين الجشع
كثيرةٌ هي الأرواح التي غادرت بلدانها هربًا من البطش وبحثًا عن الحياة الكريمة، بعيدًا عن الحروب، ليجد أصحابها أنفسهم في شباك تجار الموت، الذين لا يعرفون الرحمة.
في ليبيا. حيث تتجه المآمل إلى الخلاص ببلد طالما كان ملاذًا آمنا وقبلة لمن أراد الحياة الكريمة. أصبحت تنحني الإنسانية تحت وطأة معاناة الاستغلال، وتُسحق أرواح بريئة في طاحونة الجشع. بعد أن حولته الصراعات وغياب الدولة إلى بيئة خصبة لنمو تجارة لا تعرف الرحمة ولا تأبه بالدموع، تجارة الإتجار بالبشر.
نستعرض حول هذا الموضوع عددًا من القصص التي تداولتها بعض المنصات ووسائل الإعلام.
صرخة أثيوبية
نشرت قناة الحرة مشهدًا يظهر الشابة الأثيوبية نعيمة جمال مقيدة بحبل ومعصوبة الفم، في صورة مؤلمة بجوار خمسين مهاجرًا آخرين في مدينة الكفرة الليبية.
تبلغ جمال من العمر 20 عامًا وقد اختطفت فور وصولها إلى ليبيا في مايو 2024، حيث تطالب العصابة بفدية قدرها 6000 دولار أمريكي لإطلاق سراحها، وفقا لمنظمة "ميديتيرانيا سايفينغ هيومن". جمال، القادمة من مدينة أوروميا، تعد رمزًا لمعاناة المهاجرين، تشير التقارير إلى أن مصيرها والمهاجرين الآخرين لا يزال مجهولًا، في ظل صمت رسمي يعمق من جراح هذه الأزمة الإنسانية.
كابوس مشابه
وعن نفس الكابوس كشف موقع Refugees In Libya، المهتم بأخبار اللاجئين، عن معاناة لاجئ إثيوبي يدعى عبد الحكيم. عاش عبد الحكيم ثماني سنوات من المعاناة، حيث استُعبد في الكفرة، وبِيع كسلعة إلى بني وليد، ثم قضى ثلاث سنوات في سجن قاسٍ عُذّب خلالها حتى كسرت ساقه بسبب عدم دفع الفدية. وفي 2020، بعد فرار مؤلم، طلب عبد الحكيم الحماية من مفوضية اللاجئين، لكنه حصل على ورقة "طالب لجوء" التي لم تحمِه من الاعتقال والابتزاز، ليجد نفسه في يناير 2022، في سجن عين زارة، حيث شهد الظلم والاعتداء، بينما تعرضت زوجته للاعتداء الجنسي من قبل الحراس. بعد إطلاق سراحه، وجد عبد الحكيم نفسه في الشارع أمام واقع قاسٍ، حيث تلاشت آماله، وأطفاله يعانون نفس المصير الذي حاول حمايتهم منه، وسط تجاهل المنظمات التي تدعي حمايتهم.
مهاجر سوري
نقلًا عن موقع "صدى الساحل" يسرد المهاجر السوري (ب.س) -الذي أطلق سراحه بعد دفع فدية- تفاصيل معاناته ومن معه فيقول: صادروا منا كل شيء، أموالنا وهواتفنا المحمولة وجوازات السفر لقد رأيت الموت أمامي مرات كثيرة. لثلاثة أشهر احتجز (ب.س) في منطقة "الكفرة" لدى شخص ليبيي يدعى فوزي أبو سكران، ثم بيع وآخرون لشخص ثانٍ لا يعرفون اسمه، بعد أسبوع نقل إلى منطقة تازربو، وهناك وجد كثيرًا من المختطفين يعانون نفس المستوى من الوحشية والتعذيب، ظلوا ثلاثة أيام قبل نقلهم إلى أجدابيا، وحرموا لـ42ساعة من الطعام والشراب، ثم نقلوا إلى بني وليد واحتجزوا في هنجر كبير مليء بالمهاجرين يملكه شخص ليبي يدعى "عبد المنعم" وهناك، قالوا لهم لقد اشتريناكم من مهربين في "الكفرة"، وعلى كل شخص دفع خمسة آلاف دولار ليطلق سراحه.
يقول المهاجر السوري: رأيت أفارقة يُعذبون، وتوفي أناس وفقد آخرون عقولهم؛ لقد شهدت وفاة شاب صومالي في الكفرة.
وهكذا عندما تغيب المسؤولية وتعجز الدولة وتنعدم حقوق الإنسان، تتجلى خطورة الظاهرة، ويساق الرجال والنساء والأطفال إلى مصير مجهول، تُساوم أرواحهم على دراهم معدودة، في سوق قذرة تفتقر إلى أدنى معاني الإنسانية.
العراق..
الأسرة تحت ساطور العنف
لا شك أن أقوى الروابط وأشدها تماسكًا هي تلك العلاقات الأسرية والأخوية والاجتماعية، في هذه السطور نلاحظ كيف وقعت الأسرة تحت ساطور العنف في العراق بخلفياته المختلفة حتى تجاوز المعقول، وفكك الأسر وفتتها وشتتها كما لا يعقل. قضية العنف الأسري والاقتتال في العراق مثيرة وكثيرة التفاصيل، تنتشر على امتداد المدينة والمجتمع والبيت العراقي، نتيجة اتساعها لم نستطع الإلمام بكافة أطرافها من أجل تقديم صورتها الكاملة في إطار هذه الصفحة من الملف الإنساني، الذي يبين مدى معاناة الإنسان العربي على خلفية الصراعات والعلاقة العكسية بين السلطة والعنف والتي تؤكدها مقولة "فيلسوفة الشر"، حنة آرنت: "كلُّ انحطاطٍ يُصيبُ السلطة إنما هو دعوة مفتوحة للعنف".
اغتيال أسرة كاملة
وكاستمرار لتداخل حلقات العنف على رقبة الإنسان العراقي منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن حين سقطت الدولة العراقية بسبب الغزو الأمريكي 2003م، شهد مطلع هذا العام أن اهتزت العاصمة بغداد على وقع جريمة مروعة، إذ أقدم مجموعة من الأشخاص على قتل ثمانية أفراد من عائلة واحدة، بينهم أطفال، في منطقة مدينة الصدر شرقي بغداد. وحسبما نقله موقع التلفزيون العربي 3 يناير 2025. بدأت صدمة المفاجأة عندما وجدت الشرطة العراقية ثلاث ضحايا، هم طفلتان وامرأة، سقطوا نتيجة لهذه العملية، والصادم أكثر حين عثرت الشرطة بعد التحريات، في منزل أحد المتهمين على خمس جثث إضافية تعود لنفس العائلة. ووفقًا للموقع فإن المتهمين اعترفوا أنهم قاموا باستدراج الضحايا وقتلهم بوحشية داخل منازلهم، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل طالت أيديهم المجرمة بقية أفراد العائلة، بما في ذلك الطفلتان وعمتهما.
في أمرٍ قد لا يصدق، يقال إن الدوافع كانت هي الطمع بأموال هذه العائلة، لكن في ظل تعدد الخلفيات لهذا العنف الجنوني. نتوقع وجود دوافع أخرى. والله أعلم.
غياب الدولة، والطائفية، والفقر، والممنوعات، والنزوح والتشرد، وداعش والقاعدة، جميعها خلفت مجتمعًا يعاني من التوتر المستمر، وهو ما انعكس بشكل مباشر على الأسر، ما أدى إلى ازدياد حالات العنف داخلها.
دوافع غير معروفة
اللافت من خلال كثير من حوادث العنف الأسري تم الاطلاع على قصصها، أن معظم المصادر تنقل أن تلك الجرائم قد حصلت بسبب دوافع غير معروفة، أمر محير، وقد نشرت عدد من المواقع العراقية خلال شهر أكتوبر 2024، عن إقدام شاب عراقي في الـ25 من عمره على قتل والده وشقيقه وزوجة والده بسلاح كلاشنكوف، قبل أن يسلم نفسه للشرطة في منطقة النقيب بقضاء مندلي شرقي ديالى، نفس القصة، نشرت قناة السومرية العراقية عن قيام شاب بقتل والده بعشرين طعنة في قضاء الهندية بمحافظة كربلاء وقيل إن الدوافع كانت غير معروفة..
فتاة تذبح والدتها
كشف مجلس القضاء الأعلى العراقي، في إحدى نشراته الإعلامية أن فتاة أقدمت على ذبح والدتها في أحد صالونات الحلاقة في بغداد، واعترفت الفتاة، وهي طالبة جامعية من مواليد 1993، بأنها استخدمت سكينًا حادة لتنفيذ الجريمة بسبب إساءة والدتها لها ووصفها بالمجنونة، وبعد ارتكاب الجريمة، فصلت رأس والدتها عن جسدها، وغطته ببطانية، ثم اتصلت بخالها الذي نصحها بالتوجه إلى محافظة الكوت، هناك ألقت قوة أمنية القبض عليها.
زوج يقتل زوجته
هذا ما لا يتخيله عقل، ولا نستطيع وصفه، وخاصة إذا ما ذكرنا بعده أن امرأة لقيت حتفها إثر تعرضها لضرب مبرح على يد زوجها باستخدام خرطوم الماء البلاستيكي (صونده) في مدينة الموصل، حسب ما نقلته صفحة نينوى برس على الفيسبوك في منتصف يناير 2025، وذكرت أن الجريمة وقعت نتيجة خلافات عائلية كان في مقدمتها " البطالة وفقر الحال..
واللافت لا يوجد قانون عراقي ينظم جرائم العنف الأسري في البلاد حتى الآن..
السودان..
إبراهيم.. رحلة الدواء إلى الموت
من خلال قصة مختصرة تختزل في إطارها نوعًا جديدًا من المعاناة نتيجة الحرب نسلط هنا الضوء على: كيف عاش المرضى في خضم رحلات الفرار القسري في السودان -نتيجةً للحرب- أوضاعًا صعبة يغالبون فيها مرارة النزوح وآلام المرض وضيق ذات اليد والخوف من المصير الغامض.
تعد مأساة إبراهيم واحدة من آلاف الفواجع التي لحقت بأصحاب الأمراض المزمنة جراء تداعيات الحرب التي أجبرت ما لا يقل عن 10 ملايين سوداني على النزوح داخليًا أو مغادرة البلاد.
لن تتمكن أسرة إبراهيم الطاهر من نسيان أيام سوداء عاشتها تحت وطأة معاناة عظيمة، بعد سيطرة الدعم السريع على مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار أواخر يونيو 2024م، حين تزامن دخول عناصر تلك القوات مع موعد غسل الكلى الراتب لعميد الأسرة إبراهيم الذي يعاني الفشل الكلوي.
يروي محمد إبراهيم للجزيرة نت بأسًى بالغ كيف أن الأسرة اضطرت لجمع الأموال من الأقارب خارج السودان عبر تطبيق دفع إلكتروني للتمكن من استئجار عربة تنقل والده إلى مدينة الدندر، حيث مركز غسيل الكلى الملحق بالمستشفى هناك.
ومع تمكنهم من الوصول، وبدء الأطباء ترتيبات إجراء الغسيل، اقتحمت قوات الدعم السريع المدينة وحاصرت المستشفى واغتالت أحد الكوادر الطبية، مما دفع العاملين في مركز الغسيل الواقع شرق المشفى إلى التوقف عن العمل من دون أي ترتيبات لاستكمال علاج المنتظرين.
يقول محمد: إنهم لم يجدوا سيارة لإسعاف الوالد إلى مدينة القضارف أقرب نقطة علاجية- بعد أن سيطر الدعم السريع على الجسر الرئيسي في الدندر وتفشي حالة من الذعر مع إطلاق النار العشوائي-، فاضطروا إلى حمله على سرير وجدوه قرب السوق.
وتابع: "حملنا أبي على السرير على أمل أن نجد سيارة، دون جدوى وتصادف ذلك مع موسم الأمطار، علمًا أن الطريق الرابط بين الدندر والقضارف ترابي". وبعد المشي عدة ساعات على الأرجل، يقول محمد وجدنا جرارًا ملحقًا به عربة مكدسة بالفارين، فتنازل بعضهم عن مكانه لنقل والده، لكن الأب لم يستطع تحمل قسوة الطريق وتوفي قبل الوصول إلى القضارف.
فهل تُحيي وفاة هذا العجوز الضمائر الميتة لتجار الحروب في إبعاد المصالح العامة والمرافق الخدمية عن فوهات بنادقهم، وهل تتيقظ إلى هذه المآسي تلك الإنسانية القابعة في سبات اللاشعور؟!
اليمن..
الألغـــــــــــام.. الإعــاقـــة المموهــــة والمـــــوت الخفــــي
تحدثنا في قصة سابقة عن حالات العنف الأسري في العراق وهو ما وجدنا معه تشابهًا كبيرًا لحالات مماثلة في اليمن وبخاصة في مناطق سيطرة الانقلاب الحوثي، إذ طالما وجدنا أخبارًا عن ابن يقتل أسرته، وآباء يقتلون أبنائهم، وزوج تقتله زوجته والعكس، ويُنشر أن ذلك بسبب ثالوث الفقر والممنوعات والدورات الطائفية، لكن الغريب انتقال الظاهرة إلى العاصمة عدن، بنفس توقيت القصة الأخيرة في الصفحة العراقية، لقيت معلمة يمنية حتفها برصاص زوجها أمام أبنائها نتيجة خلافات أسرية لا يتسع المقام لذكرها.. ذلك أننا في اليمن نعاني من عدد متنوع من الألغام المادية والمعنوية التي أدت إلى انفجار القلوب كمدًا على مسرح الجريمة.. وسنتطرق في هذه الصفحة إلى ضحايا أنواع الألغام المادية التي زرعتها الحرب في كل متنفس حتى ضاقت بدخانها ومتفجراتها الأنفس والحياة.
بما فيها "مسام"
كثيرٌ ومن كل فئات المجتمع ومختلف الأعمار هم ضحايا الألغام في اليمن.. وحتى المسعف تحول إلى ضحية، وهو ما حصل لأحد خبراء المشروع السعودي لنزع الألغام (مسام).. المشروع الأكبر لنزع الألغام في اليمن منذ 2018 حتى الآن.. الدكتور طارق العواضي تحول في سبتمبر 2024، من منقذ إلى ضحية بعد انفجار لغم أرضي بسيارته أثناء تأمين الفريق الهندسي المرافق، وذلك في حقل ألغام بمنطقة الريان في صحراء الجوف شمال اليمن، حسبما نشر الموقع الرسمي للمشروع في 28 سبتمبر 2024..
وفي الجوف أيضًا، ترصد لغم للشاب أحمد عبد الرحمن الأبرقي -32 عامًا- أثناء عودته بعد غربة طويلة لقضاء شهر رمضان الماضي مع أسرته في محافظة عمران، خلال مروره من الجوف لقي "الأبرقي" حتفه بانفجار لغم أرضي على الطريق الصحراوي في منطقة اليتمة، ما أدى إلى وفاته على الفور، وإصابة أربعة مدنيين آخرين كانوا معه على متن السيارة..
ونشر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في موقعه على النت خلال أبريل 2023.. قصة عبد الله -57 عامًا- من محافظة تعز وهو أب لستة أطفال، فروا مع بداية الصراع في منطقته ليجدوا عند العودة منازلهم قد دمرت، وألغامًا تتربص بهم في كل مكان، وبرغمها عادوا ليكونوا شاهدين على عدد من حوادث الألغام، حيث أشار إلى أنه شاهد بعضها، ومنها: عندما داست جرافة على لغم أرضي أدى الى انفجارها ما أسفر عن مقتل العديد من الأشخاص في المنطقة، وبينما هو مطأطئ رأسه وذاكرته ممتلئة بالحزن، تذكر أيضًا ابن جاره البالغ من العمر 13 عامًا الذي مات بعد أن داس على لغم أرضي بينما كان يرعى الماعز.
جريدة عكاظ السعودية نشرت هي الأخرى قصصًا لعدد من ضحايا الألغام من الفتيات في اليمن، إذ تنقل عن الفتاة جميلة قاسم التي انفجر بها لغم وهي ترعى الأغنام ما أدى إلى بتر أطرافها السفلية، تقول جميلة: �الألغام سجنتني دون ذنب وحكمت عليّ أن أقضي بقية عمري في قفص الإعاقة المزمنة، أنا حية ميتة، لا أقدر على فعل شيء، كل شيء ينقصني اليوم في حياتي، لا أقدر إلا على البكاء ورفع عيني إلى السماء طلبًا لمدد الخالق�.
وأكثر منها قسوةً مع الألغام مأساة فاطمة حيدر، فبعد أن عادت فاطمة وعائلتها من ضياع النزوح إلى بيتها في منطقتها، متوقعين أن شر الحوثيين قد ذهب معهم، لم يكونوا متوقعين أنه هناك إعاقة مموهة تترصدهم على شكل لغم جوار المنزل، بسببه تروي فاطمة مأساتها قائلة: "فقدت عيني وأختي وزوجة أخي وبُترت أطراف زوجي السفلية".
وفي مادة نشرها موقع الحرة نت في 28 يوليو 2023 حول الألغام، تقول راوية سومان، وهي مواطنة يمنية لموقع الحرة: "فجأة اهتزت الدنيا، ورفعني الانفجار في الهواء"، مضيفة "حاولت التمسك بكومة تراب، لكنني سقطت أرضًا".. أما عبد الواحد الوافي، طفل يمني نجا من الموت في حادث مماثل قبل سبع سنوات بعد أن انفجر به لغم بمدينة نهم شرق صنعاء، يقول: "ذات يوم، كنت أسير بأمان في القرية بجانب المزرعة، ولم أكن أعلم أنهم زرعوا ألغامًا، فقدتُ قدمي اليمنى ويدي الاثنتين، وأصيب رأسي".
الألغام ليست كارثة مستقرة في مكان ما، ولكنها تسافر من منطقة إلى أخرى بحكم السيول والأمطار نتيجة انتشارها بشكل مرعب في كل مكان، وهو ما يكثر في مناطق الساحل الغربي لليمن ومديريات مأرب أيضًا.
في مخيم السويداء للنازحين في مدينة مأرب، تعرضت أسرة "خالد صبر" لمأساة وحادث حزين أودى بحياة أطفالها، نتيجة انفجار لغم حوثي، جرفته السيول، إلى قرب المخيم الذي تسكنه الأسرة.. وجده الأطفال وهم يلعبون ببراءتهم المعتادة، وهنالك بدؤوا باللعب به دون أن يدركوا أنه سيلعب بحياتهم، حينها انفجر بهم، وفقدت العائلة البريئة أطفالها نتيجة للانفجار.
أخيرًا
وبحسب تقرير أصدرته مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي فإن اليمن الآن من أكثر الدول المزروعة بالألغام المحظورة عالميًا، إذ تنتشر بلا خرائط على امتداد اليمن منذ ما يقارب عشرة أعوام من الاقتتال، وتقتنص ضحاياها من دون تفرقة، وهو الأمر الذي يتعدى ضرره وضرورة مواجهته حدود الزمان والمكان، وربما إلى أجيال وسنوات أخرى إذا ما انتهت الحرب وعاد الناس إلى مناطقهم..
خلاصة الملف
يتأرجح الإنسان في عالمنا العربي ين آماله وطموحاته من جهة، وبين واقع مليء بالصراعات والظلم من جهة أخرى، وما بينهما تتعرض العدالة لمحنة خانقة، ويتبدد حلم الفرد في العيش بكرامة وتساوٍ، ويتزايد شعوره بالعجز حيال التغيرات التي لا تلوح لها نهاية..
في هذا الملف حاولنا لملمة أشتات الصورة الدامية والدامعة التي تختصر الوجه العربي في ظل الصراع، رغم صعوبة اختصار بعض اتساعات الحالة المؤلمة التي يعانيها اليوم؛ فقد وجد نفسه في مجتمعات تشهد الفقر، الاستبداد، وتفشي الحروب، مما يجعل حياة الفرد وكرامته مغتصبة، وحقوقه مهدورة هنا وهناك، كما بينته بعض القصص السابقة.
وفي حين تعتبر العدالة هي أُولى الفضائل وأَولاها بالاهتمام، يعاني الإنسان العربي من أنماط متعددة من الاستلاب، في ظل تردي الوضع وغياب الدولة الضامنة للحقوق في بعض الدول إلى جانب حالة الفوضى؛ وهو ما يؤكده الفيلسوف الانجليزي "توماس هوبز" حين قال: "أن غياب الدولة يؤدي إلى "حرب الكل ضد الكل"، حيث تكون حياة الإنسان "مفردة، فقيرة، بذيئة، وحشية وقصيرة" في حالة الفوضى.. وفي ظل غياب الدولة: تصبح غريزة الإنسان في حالة من الفوضى، وتصبح المجتمعات في حالات من الاضطراب والخراب، ولهذا فإن الدولة هي الضرورة الرئيسة لتأمين السلام والحفاظ على النظام..
هنا طالما اتضح لنا من خلال القصص السابقة كيف أن الإنسان العربي في ظل هذه الأوضاع يجد نفسه وحيدًا في مواجهة مصير ظالم ومظلم، تتقاطع فيه أخطاء السلطات مع أخطار الحروب وفقر الشعوب، فتغيب الفرص وتتساقط الأحلام، ولهذا فإن استعادة الدولة والعدالة والكرامة الإنسانية في العالم العربي، ليست مجرد حلم بعيد المنال، بل هي ضرورة للارتقاء بالمجتمعات من حالة المآسي التي تعيشها.. فمتى عساهيكونذلك؟!■