آخر تحديث :الأربعاء-15 أكتوبر 2025-05:12م

البحث عن نيمو: العرب بين البحر الواسع والحليف الأمريكي

الأربعاء - 15 أكتوبر 2025 - الساعة 05:12 م

د. أنور محمود زناتي
بقلم: د. أنور محمود زناتي
- ارشيف الكاتب



في فيلم البحث عن نيمو Finding Nemo تضيع السمكة الصغيرة "نيمو" في محيط شاسع، فيبدأ الأب رحلة مضنية للبحث عنه بمساعدة مرشدين يوجّهونه عبر التيارات والمخاطر. القصة في نسختها الشرق أوسطية ليست عن سمكة صغيرة بل عن أمة بأكملها، أمة عربية تائهة في بحر السياسة الدولية، تبحث عن من يقودها إلى بر الأمان. غير أن الدليل هنا ليس صديقًا ودودًا، بل قوة عظمى تمثلت في الولايات المتحدة، التي تقدم نفسها كدليل لا غنى عنه، بينما هي في الحقيقة تصنع المتاهات وتحدد الطرق بما يخدم مصالحها.
البحر الواسع: فضاء السياسة العالمية
المحيط في الفيلم رمز للاتساع والتيه، وهذا ينطبق تمامًا على واقع العرب في النظام الدولي. فالعالم بعد الحرب الباردة اتسع بصورة جعلت القوى الصغرى في موقع الهامش. العرب، رغم امتلاكهم موارد هائلة وموقعًا جغرافيًا بالغ الأهمية، لم يتمكنوا من السباحة وحدهم في هذا البحر، بل ظلوا يبحثون عن "حليف أو مرشد خارجي" يقودهم. الولايات المتحدة ملأت هذا الفراغ، عارضة نفسها كالحامي والمرشد، لكن مقابل ثمن سياسي واقتصادي باهظ.
أمريكا: منقذ أم مستغل؟
ظهر المرشد كدليل صادق يساعد الأب على إيجاد ابنه، يوجهه بالأمانة ويقف إلى جانبه في كل منعطف، ليصل في النهاية إلى هدفه المنشود. هذه الصورة الرمزية للدليل الأمين تختلف تمامًا عن الواقع السياسي في الشرق الأوسط، حيث تشبه أمريكا الطيار الذي يعرف الطريق جيدًا، لكنه لا يقودك إلى بيتك أو هدفك الخاص، بل إلى موانئه ومصالحه الخاصة.
تبيع واشنطن للعالم العربي ما يُسمى بـ"خرائط الأمان"، عبر اتفاقيات أمنية، عقود تسليح، وتحالفات إقليمية، لتوحي بأن الطريق واضح ومضمون، وأن الحماية متاحة لكل من يسير على المسار الذي ترسمه الولايات المتحدة. ولكن في الواقع، هذه الخرائط مرسومة بعناية لإبقاء المنطقة ضمن مسارات مراقبة، بحيث تظل الدول العربية محصورة في نطاق السيطرة الأمريكية، لا تتحرك إلا ضمن ما تسمح به الاستراتيجية الأمريكية.
أي محاولة للسباحة بعيدًا عن هذا المسار، أو اتخاذ قرار مستقل، تُقابل فورًا بعقوبات وضغوط سياسية واقتصادية، كما لو أن التيارات البحرية نفسها تتحرك وفق رغبتها، دون أي مجال للخطأ أو الانحراف. النتيجة أن الدول والشعوب تُصبح أداة داخل لعبة أكبر، حيث يبدو الطريق آمنًا ومضمونًا على الورق، لكنه في الحقيقة مصمم لضمان مصالح الآخرين، بينما تبقى إرادة الشعوب وحاجاتها الحقيقية خارج الحساب.

إسرائيل: المفترس في الظل
في المحيط، لا يختفي الخطر. في كل زاوية يظهر قرش أو حوت يهدد نيمو ومن يبحث عنه. في النسخة الشرق أوسطية، تلعب إسرائيل هذا الدور: المفترس الذي يترصد كل محاولة عربية للاستقلال أو المقاومة. لكن الفرق أن هذا المفترس لا يعمل بمفرده؛ بل تحت حماية الهيمنة لأمريكية، التي تضمن أن يبقى العرب دائمًا تحت التهديد، فيشعرون أنهم بلا خيار سوى الاستعانة به من جديد. هكذا تتحول إسرائيل إلى أداة ترسيخ للوصاية، ومبرر دائم لاستمرار "الحماية الأمريكية".

العرب: التائهون بين الخوف والتبعية
كما عاش الأب في الفيلم رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر لإنقاذ ابنه، يخوض العرب رحلة لا تنتهي بحثًا عن السيادة المفقودة. لكنهم، بدلًا من أن يحققوا خلاصًا جماعيًا، يظلون أسرى خيارات ضيقة: إما البقاء في بحر التبعية، أو مواجهة مفترسات مدعومة من القوى الكبرى. وبدلًا من أن يتوحدوا للسباحة معًا، تفرقوا في اتجاهات مختلفة، كل دولة تبحث عن "نيموها الخاص"، وكأن مصير الأمة ككل لا يعنيها.
البحث عن نيمو في نسخته السينمائية انتهى بلقاء الأب بابنه وعودة الأسرة إلى بيتها. لكن في النسخة الشرق أوسطية، ما زال "نيمو العربي" تائهًا في المحيط، بين مرشد أمريكي لا يقود إلا نحو مصالحه، ومفترس إسرائيلي يتربص في كل زاوية، وأنظمة عربية تائهة لا تعرف كيف تسبح خارج المصفوفة. والسؤال: هل يستمر العرب في التيه، معتمدين على مرشد يضللهم أكثر مما ينقذهم، أم يقررون أن يرسموا خرائطهم الخاصة، ويستعيدوا قدرتهم على السباحة في البحر الواسع بإرادة مستقلة؟