آخر تحديث :الأربعاء-04 يونيو 2025-01:17ص

مجلة جرهم


ثنتائية العمل والدراسة.. كيفيـة التوفيـق وضرورة الاهتمام

ثنتائية العمل والدراسة.. كيفيـة التوفيـق وضرورة الاهتمام

الثلاثاء - 06 مايو 2025 - 09:39 ص بتوقيت عدن

- مجلة جرهم ــ بلقيس الفارسية كاتبة أردنية

توضيح
لو عدنا للسبعينات وما بعدها لوجدنا أن نسبة الأمية كانت أكبر مما نحن عليه الآن، فالعلم آنذاك لم يكن ظاهرة رفاهية للأشخاص كما هو الآن؛ في الماضي كان هناك فئتان؛ الفئة الأولى طبقة ثرية ولديها مصانع ومزارع ولا تحتاج للعلم كمصدر للرزق فهي غير متعلمة، والمقصود بغير المتعلمة هنا أنها لا تمتلك شهادات كبيرة، لكن ربما تمتلك معرفة وخبرة في مجال ما، وإما طبقة فقيرة تضطر لترك الدراسة والاتجاه نحو العمل لسد احتياجاتها.
أما الفئة الثانية فهي إما مجموعة ثرية تتجه للعلم كحاجة مجتمعية (مظاهر) دون العمل بهذا العلم، أو فئة فقيرة تعمل وتدرس بنفس الوقت إيمانًا منها بأن العلم ونيل الشهادات هو المخرج الحقيقي لها للتخلص من الفقر، بالإضافة إلى رفع مستواها الاجتماعي عن طريق رفع مستواها التعليمي، فالطبيب والمهندس لهما قيمة مجتمعية كبيرة، حتى وإن كان وضعهما المادي والاجتماعي أقل من الآخرين، طبعًا أنا هنا أتحدث وفقا للنظرة المجتمعية التي كانت سائدة أنذاك وما زالت ممتدة إلى بعض العقليات حتى وقتنا الراهن.
يأتي الحديث عن ثنائية العمل والتعليم عند ملاحظة عمالة الأطفال واضطرار بعض الأسر للزج بأطفالها إلى السوق من أجل تحمل تكاليف الدراسة التي عجزت هي عن تغطيتها، وأحيانا تغطية احتياجاتهم الحياتية، وفي أحيان أخرى تحمُّل أعباء الأسرة أيضًا، وما ينتج عن ذلك من ضغوطات نفسية واجتماعية واقتصادية على الطفل في المدرسة أو الشاب في الجامعة، خاصة في ظل إصرارهم على التعلم رغم وضعهم المعيشي الصعب والدخل المحدود الذي لا يغطي كل نفقات الدراسة!!، على العكس من الدول المتقدمة التي تتحمل على عاتقها مسؤولية تأمين كافة هذه الأمور من نقل ومواصلات وإعاشة وتأمين صحي ومنهج دراسي وأنشطة رياضية وثقافية واجتماعية وغيرها، الأمر الذي يدعم الطلاب للتفرغ لدراستهم وعدم حرمانهم من فرص التعليم بسبب الظروف المالية أو الاجتماعية، حيث إن الاستثمار في التعليم هو الأساس لبناء مستقبل مشرق للشباب والمجتمع بشكل عام.
ايجابيات وسلبيات
فالعمل أثناء الدراسة موضوع مهم وله آثار عدة على حياة الطالب؛ منها ما هو إيجابي ومنها ما هو سلبي، وسنتطرق إلى الكثير منها فيما يلي:
يبحث الكثير من الطلبة عن مصدر دخل أساسي أو إضافي لتغطية تكاليف دراستهم وربما مصروفهم الشخصي أيضًا، أو حتى يتجاوز ذلك إلى تحمل مسؤولية أفراد آخرين من أسرتهم، خاصة إذا كان الوالد غير قادر على العمل أو محدود الدخل جدًا أو متوفيًا.
ويظل للعمل أثناء الدراسة إيجابيات وسلبيات منها:
- إيجابيات العمل أثناء الدراسة:
أنها تؤمن استقلالية مالية للطالب، وهذا يساعده على توفير احتياجاته الأساسية والثانوية بالإضافة إلى تسديد أقساطه الدراسية، خاصة أن معظم المدارس والجامعات المتميزة أصبحت خاصة وأقساطها متفاوتة بين المقبول والمرتفع، كذلك يكسب العمل خبرة عملية للطالب إذا كان يعمل في مجال دراسته نفسه، بالإضافة إلى أنه يعتبر دلالة على حجم الإصرار والرغبة لدى الطالب في التعلم، كما أن العمل يطور مهارات التواصل مع الآخرين ومهارات التخطيط الناجح والإدارة الجيدة للمال الوارد والصادر، وأهم الإيجابيات برأيي هي بناء شخصية قوية للطالب ذات ثقة بالنفس ووعي كبير، فلا يكون الطالب بين الكتب منفصًلا عن واقع مجتمعه، بل العكس؛ يكون ملمًّا بكل التغييرات ويهيئ نفسه جيدًا لمواكبة هذه التغيرات بعد تخرجه.
وهناك الكثير من الشواهد على طلبة كافحوا ونجحوا ولم تحبطهم الظروف التعليمية الشاقة في بلدانهم، حتى صاروا الآن يشار إليهم بالبنان بفضل إصراراهم واجتهادهم، حققوا معدلات عالية وحصلوا على منح تعليمية وهناك أثبتوا تفوقهم، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: من أين للجميع أن يكونوا أمثال هؤلاء في ظل غياب الاهتمام المجتمعي والحكومي؟.
- الجوانب السلبية للعمل أثناء الدراسة:
منها صعوبة التوفيق في الوقت بين العمل والدراسة، وهذا من أكثر ما يعانيه الطلبة في وقتنا الحالي، أولئك الذين يعملون في مؤسسات خاصة غير ملتزمة بساعات الدوام القانونية، حيث يعمل بعض الطلبة من عشر إلى اثنتي عشرة ساعة يوميًا، بالإضافة إلى ساعات الدراسة التي لا تقل عن سبع ساعات، وبالتالي لا يملك الطالب إلا سويعات قليلة متبقية لن تكفيه لأي أنشطة أخرى مهمة، ولن يمتلك الطالب وقتًا لمراجعة مواده الدراسية، وربما هذا يؤثر على مستوى تحصيله العلمي بالإضافة إلى تأثر صحته سلبًا، إذ إنه لا يملك وقتًا كافيًا للراحة الضرورية لجسده، كذلك يعيش الطالب حالة من التوتر والضغط، خاصة إذا كان يعيش في بيئة عمل غير مريحة وغير متفهمة لكنه مضطر للعمل فيها لتأمين نفسه ماديًا، ناهيك أنه سيبقى في حالة قلق أن يتم إقالته وهذا سيؤثر بالتأكيد على إكمال دراسته.
أشكال متعددة
تنوعت أشكال العمل أثناء الدراسة فمنها العمل الحكومي والخاص والعمل الحر، العمل الحكومي هو نوعًا ما مريح للطالب لأنه عمل بعقد محدد البنود، ناهيك أن ساعات العمل محدودة، وهناك إجازات أسبوعية وسنوية، وهذا كله يخلق حالة من الاستقرار النفسي للطالب أيضًا.
وأما العمل الخاص وهو الأكثر شيوعًا بين الطلاب، وهو يتنوع بين عمل خاص بالأسرة في جوانب التجارة أو الزراعة أو غيرها، وهذا تستطيع الأسرة التحكم فيه ويستطيع الطالب التوفيق بينه وبين الدراسة نوعًا ما، وهناك عمل بالإيجار اليومي أو الشهري، يعمل بموجبه الطالب لدى آخرين في القطاع الخاص ويستطيع فيه العمل مساءً مثلا إذا كانت دراسته في الفترة الصباحية أو العكس، لكنه الأكثر إرهاقًا للطالب لأنه لا يوجد أمان وظيفي؛ إذ إن معظم العقود هنا تكون عقود عمل مؤقتة وغير عادلة للطالب.
أيضًا هناك العمل الحر، وهذا النوع من العمل يؤمن مرونة في العمل، وغالبًا لا يكون هناك دخل ثابت إنما يعتمد على إنجاز الطالب ومقدار إدخاله المالي، ناهيك أن هذا النوع من العمل لا يوجد به عقود.
ومن أفضل وأنسب أنواع العمل في وقتنا الراهن هو العمل عن بعد (اون لاين) وهو الأكثر شيوعًا خاصة بعد جائحة كورونا؛ إذ تحول العالم بأسره من عالم إنتاجي إلى عالم خدماتي، وأصبحت هذه الصبغة الأساسية لهذه المرحلة، هذا النوع من العمل مخاطره قليلة فالطالب يضع دراسته أولًا ومن ثم يعمل في ساعات فراغه، ولا يحتاج لقطع المسافات وإهدار الوقت هنا وهناك، فجُلّ عمله يكون على جهازه الإلكتروني، أيضًا يستطيع العمل مع أكثر من جهة فيصبح له أكثر من مصدر مالي.
تحديات ومقارنة
في البلدان المتقدمة، تركز السياسات التعليمية والاجتماعية على توفير بيئة داعمة للطلاب تجعلهم قادرين على التركيز على دراستهم دون الحاجة للعمل؛ يشمل ذلك الدعم المالي المباشر وتأمين مختلف الاحتياجات، وتشجيع الأنشطة المدرسية بالنسبة للمدارس والأكاديمية في الجامعات، والبرامج التدريبية وورش العمل التي تساعد الطلاب على تطوير مهاراتهم الشخصية والمهنية؛ هذه البيئة المتكاملة تساهم في التركيز على الدراسة بعيدًا عن التفكير في الأعباء والإعياء الناتج عنها في ظل مجتمع يعجز أبناؤه في المدارس عن توفير الزي المدرسي أو المنهج الدراسي أو المواصلات أو ساندويتش الاستراحة في أوقات كثيرة!!.
في تلك الدول يحصل جميع الطلاب على فرص متساوية يتم فيها تحفيزهم وتشجيعهم بمختلف الطرق، بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية أو الاقتصادية، وسواء كانوا في المدارس أو الجامعات فإن الدعم الذي يحظون به يتسم بالشمولية والتنوع، حيث يتم توفير الخدمات والبرامج التي تدعم الطلاب من جميع الجوانب: التعليم المجاني، والرعاية الصحية، والدعم المالي، والأنشطة التدريبية، كل هذه العوامل تساهم في توفير بيئة تعليمية متوازنة لا يلجأ فيها الطالب إلا نادرًا إلى العمل، وبالتالي لا يحتاج كثيرًا إلى التوفيق بين الدراسة والعمل كما هو حاصل في بلدان العالم غير المتقدم.
وإذا ما وجدت حالات لطلاب لجؤوا إلى العمل خلال دراستهم الأكاديمية في الدول المتقدمة، إلا أن الظاهرة تعتبر أقل بكثير مما هو عليه الحال في دول العالم الثالث، من ضمنها دول عربية كثيرة، ولكن هناك اختلافات كبيرة في كيفية تعامل كل مجتمع مع هذه القضية. في الدول المتقدمة، يعتبر العمل أثناء الدراسة جزءًا من عملية التعليم، ويوفر الدعم الحكومي والفرص الوظيفية للطلاب، وضمان خروجهم إلى سوق عمل يتماشى مع تخصصاتهم غالبًا، أما في الدول الأخرى التي نحن جزء منها، فقد يكون العمل نتيجة لضغوط اقتصادية واجتماعية، مما يضع الطلاب في مواجهة صعوبة أكبر في الحفاظ على توازن نفسي وصحي ومالي بين العمل والدراسة.
نصائح عامة
موضوع العمل أثناء الدراسة موضوع واسع الأفق عشته أنا في الماضي، ويعيشه أبنائي الآن وهم جامعيون، ويعيشه الكثير من الشباب والفتيات على حد سواء نتيجة الظروف العامة من سوء أحوال اقتصادية، وانخفاض مستوى الدخل، بالإضافة إلى الحروب والكوارث التي دفعت الملايين إلى الهجرة والاعتماد على أنفسهم، لذلك لدي بعض النصائح التي ربما تفيدهم ومنها:
- التخطيط:
فالتخطيط الصحيح سيجنبهم الكثير من العثرات.
- التوازن:
يجب على الطالب الحفاظ على التوازن بين العمل والدراسة كي لا يخسر أحدهما دون أن يدرك ذلك.
- ترتيب الأولويات:
فمن خلال ترتيب الأولويات سيتمكن الطالب من إنجاز أهدافه بأقل وقت ممكن وأقل خسائر أيضًا، فإذا كان الطالب لا يملك سكنًا ولا دخلًا ماديًا لأساسيات حياته كالمأكل والمشرب؛ هنا ربما يضطر أن يعمل عامًا ويدرس عامًا آخر، أما إذا كان لديه أساسيات المعيشة فيتوجب عليه التخلي عن الرفاهيات، ريثما ينهي دراسته لأنها الأهم بلا شك.
ولا ننسى أيضًا أن ننصح أبناءنا أن يستفيدوا من الموارد المتاحة لهم كالدعم المالي والاجتماعي المتوفر للبعض، وأن يستخدموها أفضل استخدام بما يخدمهم ويخدم تقدمهم مستقبلًا.
ونصيحتي الأخيرة والأهم أوجهها إلى المؤسسات التعليمية، أولًا بدراسة أوضاع الطلبة لديهم ومراعاة ظروفهم الخاصة، أولئك الذين لا يملكون معيلًا يساعدهم في استكمال مسيرتهم التعليمية، وللمؤسسات التمويلية بدعم الطلبة بقروض دراسة دون فوائد، وشروط سداد ميسرة دعمًا منها لمجتمعها ووطنها أيضًا، وإلى الهيئات الحكومية أيضًا أن تدعم كل طالب علم وتسنده في سنوات دراسته لخلق جيل متعلم بانٍ لوطنه (وسأهمس): الدول جميعها تدفع مبلغًا كل يوم على السجين كمصروف، لو دفعت المبلغ نفسه على طالب العلم لبنيت أوطاننا وازدهرت مجتمعاتنا وقلت الجريمة بأنواعها ■