آخر تحديث :الأحد-01 يونيو 2025-12:08ص

مجلة جرهم


مساحات النقـــــــــــاش على منـصة إكــــــــــــس.. التفاعلية والتأثيرات

مساحات النقـــــــــــاش
على منـصة إكــــــــــــس..
التفاعلية والتأثيرات

الثلاثاء - 20 مايو 2025 - 12:02 ص بتوقيت عدن

- مجلة جرهم ــ لطيفــة الفـقيـــه مدرس بكلية الإعلام - جامعة صنعاء

أحدث التطور التكنولوجي الهائل وانتشار تقنيات الاتصال الرقمي خلال السنوات الاخيرة تغييرات جذرية في وسائل الإعلام الجديدة، وأساليب نشر المعلومات، وإنتاج وتوزيع وتقديم المحتوى، وقد أتاحت تطبيقات مثل فيسبوك، تويتر "إكس حاليا"، ويوتيوب، وغيرها، فرصًا تفاعلية ومشاركة واسعة، سواءً من قادة الرأي أو السياسيين أو المؤثرين والجمهور، إضافة لتسهيلها خاصية البث المباشر والمساحات الصوتية التي تتيح للجمهور متابعة الأحداث والتفاعل الفوري مع محتواها بالتعليق والمشاركة، مما يزيد من تنوع المضمون، وتوفير مشاهدة أكثر تفاعلية وحيوية.
هذه التقنيات الإعلامية التي مكنتها وسائل التواصل الاجتماعي؛ أتاحت فرصًا عدة ومساحات حوار حرة للمستخدمين للتعبير عن آرائهم وأفكارهم، ومشاركتها مع الآخرين بنفس الوقت، إضافة إلى مناقشة مواضيع جدلية ومثيرة على الساحة تعزز من التفاعلية، وتسهم إما سلبًا في تعميق الخلافات وخلق التوترات والتحيز للتحليلات غير الواقعية، وإما إيجابًا في إيجاد حلول أو معالجات للكثير من القضايا الحساسة، ناهيك عن كسر الحواجز ومعرفة وجهات النظر المختلفة بين المسؤولين وصناع القرار، وأيضا الجمهور بمختلف خصائصه وعلى اختلاف سماته الديموغرافية في العديد من المواضيع المهمة.
التفاعلية والاستغلال
ظهرت منصات التواصل الاجتماعي بشكل عام في أوائل العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، وكان تويتر أحد تلك المنصات، إذ تم إطلاقه في عام 2006، لكنه أصبح مؤثرًا بشكل كبير في مجال النقاش السياسي والفكري منذ فترة قصيرة بعد ذلك.. وقد ظهرت خاصية مساحات النقاش (Twitter Spaces) على منصة تويتر "اكس حاليا" في ديسمبر 2020 بشكل تجريبي، ثم تم إطلاقها بشكل كامل في مايو 2021.. هذه الخاصية برزت كنافذة تفاعلية جديدة في إطار الإعلام الرقمي، يستطيع من خلالها المستخدمون إنشاء غرف صوتية مفتوحة تمكنهم من التحدث مباشرة إلى جمهورهم أو الاستماع إلى نقاشات في مواضيع مختلفة.. وهكذا أتاحت لأي مستخدم أن يبدأ مساحة نقاشية في حسابه الشخصي، يتمكن من خلالها الآخرون المشاركة عبر رفع يدهم "بنظام معين" أو من خلال التفاعل بالإستماع أو التحدث أو عبر التعليقات، وقد صارت هذه الخاصية أداة مهمة للمناقشات السياسية والفكرية، وتستخدمها العديد من الشخصيات العامة، والسياسيين، وحتى الخبراء في مختلف المجالات للتواصل مع متابعيهم.
قال إريك زاكرمان، مدير شركات الأخبار لدى تويتر، في أحد تصريحاته: إن المنصات الصوتية الاجتماعية مثل "مساحات تويتر" بمثابة "فرصة لغرف الأخبار والصحفيين لإجراء محادثات مفتوحة وصريحة مع جمهورهم حول ما يحدث بالعالم وحول القصص التي يعطونها". وأضاف: إن مساحات تويتر" تعد طريقة أخرى ليواصل الصحفيون هذه المحادثات، فداخل هذه المساحة أو المحادثة، يستطيع المستضيفون - من غرف الأخبار أو الصحفيين، دعوة المتابعين للاستماع إلى المقابلات أو المحادثات أو الحلقات النقاشية، كما يمكن إعطاء الكلمة افتراضيا إلى المتابعين لينضموا إلى الحديث".
بناء عليه تعد مساحات النقاش أكثر من مجرد محادثات؛ فهي عبارة عن ملتقى للأفكار يتم من خلاله تبادل المعرفة، وإجراء الاتصالات، وحافز للحوار والتطوير، وتكمن قوة مساحات النقاش في قدرتها على تحليل المواضيع المعقدة إلى رؤى سهلة الفهم، من خلال إشراك خبراء من مختلف المجالات، لا تسلط هذه المناقشات الضوء على وجهات نظر مختلفة فحسب، بل توفر تنسيقًا منظمًا ومرنًا لاستكشاف الموضوعات التي تهم المجتمع.. فبالنسبة لأصحاب المساحات والمتحدثين فهي توفر فرصة للتعبير عن آرائهم وتوجهاتهم وتحليلاتهم للأحداث، وبالنسبة للجمهور، فهي توفر فرصة لاكتساب فهم متعدد الأوجه للمواضيع المتداولة.
وبالتركيز على المساحات الصوتية في منصة إكس حاليا، وما يوازيها من تقنيات البث المباشر والتفاعلي في منصات يوتيوب وفيسبوك وانستقرام وغيرها، يتضح أن هذه الأدوات وفرت للمستخدمين فرصة للتفاعل المباشر والتحدث بصوت عالٍ مع جمهورهم، ولم تقتصر على مجرد المحادثات الاجتماعية أو الترفيهية، بل امتدت لتكون ساحة خصبة للعديد من الأيديولوجيات السياسية والتوجهات الفكرية، وتشكيل الرأي العام وصياغة مواقف الناس تجاه قضايا معينة.
العديد من الحكومات أصبحت تعي تأثير هذه المنصات والخاصيات المتوفرة فيها، وبدأت في استخدام ذلك لتوجيه الرسائل المؤيدة لتشكيل أجنداتها السياسية، حتى أن بعض السياسيين صاروا يغيرون من سياساتهم أو قراراتهم بناءً على ردود فعل الجمهور على هذه المنصات.
تشير تقارير إعلامية إلى أنه تم إنفاق ما يفوق نصف مليار دولار عبر وسائل التواصل المختلفة لدعم الحملات الانتخابية للمرشحَين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد كان اعتماد ترامب بشكل أكبر على منصة "إكس" إلى جانب منصته الخاصة "تروث سوشيال" وبالتالي بقية المنصات، حيث ظهر خلال حملته الانتخابية في مساحة نقاشٍ تفاعَلَ معها أكثر من مليون مشترك ومستمع بنفس الوقت، وتجاوزت مقابلته مع البودكاستر جو روغان 38 مليون مشاهدة في اليوتيوب، فضلا عن مقابلته مع ماسك التي تجاوزت 30 مليون مشاهدة.
وهكذا يتضح لنا مدى الاستغلال السياسي لهذه الخاصيات في التأثير على الجمهور أو الناخبين وضمان كسب أصواتهم من خلال التحاور المباشر معهم للتأثير عليهم، وإبراز شخصية المرشح على أنه الأفضل، إما بالحقائق والاقناع، أو بممارسة التضليل أو الخداع أو بيع الوهم.
تأثيرات متنوعة
لوحظت تأثيرات استغلال هذه المساحات الصوتية والمرئية في عدد من المنصات، وما تتيحه من حرية في بث المحتوى، في عدد من الجوانب السلبية مثل الانحرافات السلوكية والجنسية، وتكريس الخطاب الطائفي، وتوسيع هُوّة الخلاف بين المكونات السياسية والعسكرية في عدد من بلدان الصراع العربية كاليمن وغيرها، ناهيك عن الخطابات المتشنجة في مناقشة الأحداث على الساحة سواء اليمنية أو العربية من أجل تحقيق أجندات ممولة تسعى إلى استمرار النزاعات على اختلاف خلفياتها في المنطقة.
وما بين الاستغلال لهذه النوافذ التفاعلية والتأثيرات المترتبة عليه، فقد تصبح هذه المساحات بيئة فاعلة لنقل رسائل سياسية، أيديولوجية، أو حتى تهديدات مبطنة، بل وتجد من خلالها العديد من الشخصيات السياسية والإعلامية، والكتاب، والمفكرين، مجالا مفتوحاً لمناقشة أفكارهم ورؤاهم دون أية قيود، فتتحول هذه النقاشات إلى محاكاة حية للمناظرات الفكرية، أو تبادل الآراء حول الأحداث والقضايا على تنوعها بين سياسية أو اجتماعية أو دينية أو فلسفية، علمية، أو ثقافية وغيرها.. وفي حين قد يعتبر هذا النوع من التفاعل مفيدًا ويسهم في إثراء النقاش العام، إلا أنه قد يحمل في طياته مخاطر الدجل السياسي والتجريف الهُوياتي وتزييف الوعي والتحريف الديني والفكري، فإمكانية التحدث أمام جمهور كبير بدون محاسبة أو تدقيق قد تؤدي غالبا إلى نشر مفاهيم مغلوطة أو غير دقيقة، مما يؤدي إلى تشكيل آراء عامة تتسم بالسطحية أو الانحياز، كما أن هذه المساحات قد تصبح مكانًا لفرض نوع من "النعرة الفكرية" أو محاولة إقصاء الآخر.. ويمكن لبعض الجماعات أو الأيديولوجيات المتشددة استغلال هذه المنابر لتكرار أفكارهم بشكل مستمر، مما يؤدي إلى تضييق الأفق الفكري للمتابعين، بل تصنيف الأفكار أو الأيديولوجيات بناءً على معايير ضبابية أو سطحية، من دون قدرة على التفكير النقدي العميق أو التحقق من صحة المعلومات، وفي ظل غياب تدقيق علمي أو أكاديمي محايد قد يتعذر على الكثيرين التمييز بين الأفكار المدروسة والنظريات الخاطئة..
وختاما
إلى جانب ما تم ذكره فإن التأثيرات السلبية لاستخدام مساحات النقاش وتقنية البث المباشر قد تتمثل في تعزيز ثقافة التفاهة وتأجيج الانقسامات المجتمعية ونشر الكراهية والتحريض، إلى جانب انتشار الشائعات والمعلومات الكاذبة بسرعة، والتحليلات الملغومة مما يؤدي إلى تأثيرات سلبية على الرأي العام، وعلى الرغم من أن الخاصيات التفاعلية تعزز من فرص التعبير الحر والنقاشات المفتوحة، إلا أن هناك حاجة ملموسة إلى وعي جماعي بشأن التأثيرات السلبية المحتملة لهذه المساحات، والتفكير الجاد في سبل تقنين وتنظيم هذا الفضاء بما يحفظ نزاهة المعلومات ويحد من الاستغلال السلبي ■