آخر تحديث :الأربعاء-04 يونيو 2025-01:17ص

مجلة جرهم


أفي الله شك؟

أفي الله شك؟

الأربعاء - 21 مايو 2025 - 09:44 م بتوقيت عدن

- مجلة جرهم ــ د. محمد بن عيضة شبيبة وزير الأوقاف والإرشاد - اليمن

"أفي الله شك؟!" استفهام استنكاري جاء في سياق المجادلة بين الرسل وقومهم؛ "قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى.. إلى آخر الآية" (إبراهيم: 10).
"أفي الله شك؟”، سؤال يحمل في طياته يقينًا مطلقًا بوجود الخالق سبحانه وتعالى ابتداءً، وبقدرته وحكمته، وهو سؤال يدعو الإنسان إلى التأمل والتفكر في آيات الله المبثوثة في الكون من حوله.
"أفي الله شك؟!" تساؤل استنكاري يُذكّر العقول الغافلة، ويُحرّك القلوب المطمئنة نحو الحقيقة المطلقة: أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق المدبر الذي لا شريك له.
" أفي الله شكٌ" دعوة لطيفة للإيمان والتفكر في عظمة الخالق سبحانه، وفي الوقت نفسه رسالة تحدٍ أمام أي محاولات للتشكيك في عظمة الله وقدرته وسلطانه النافذ.
في تفسير الآية
يقول الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية: "يخبر تعالى عما دار بين الكفار وبين رسلهم من المجادلة، وذلك أن أممهم لما واجهوهم بالشك في ما جاؤوهم به من عبادة الله وحده لا شريك له، قالت الرسل: (أفي الله شك؟!)
وهذا يحتمل شيئين، أحدهما: أفي وجوده شك؟، فإن الفِطَر شاهدة بوجوده، ومجبولة على الإقرار به، وإن الاعتراف به ضروري في الفطر السليمة، ولكن قد يعرض لبعضها شك واضطراب، فتحتاج إلى النظر في الدليل الموصل إلى وجوده؛ ولهذا قالت لهم الرسل ترشدهم إلى طريق معرفته بأنه (فاطر السماوات والأرض) الذي خلقها وابتدعها على غير مثال سبق، فإن شواهد الحدوث والخلق والتسخير ظاهرة عليها، فلا بد لها من صانع، وهو الله لا إله إلا هو، خالق كل شيء وإلهه ومليكه.
والمعنى الثاني في قولهم: (أفي الله شك) أي: أفي ألوهيته وتفرده بوجوب العبادة له شك؟، وهو الخالق لجميع الموجودات، ولا يستحق العبادة إلا هو، وحده لا شريك له؛ فإن غالب الأمم كانت مقرة بالصانع، ولكن تعبد معه غيره من الوسائط التي يظنونها تنفعهم أو تقربهم من الله زلفى". انتهى كلامه رحمه الله.
فطرة الله
إن التفكر في آيات الله ومخلوقاته يقود إلى الإيمان الراسخ بالله، ويدفع الإنسان إلى إدراك عظمة الله وحكمته واستحقاقه المطلق للعبادة وحده والخضوع والانقياد لأمره بحب وإخلاص، والإيمان بالله على الحقيقة يقود إلى ترك الاستكبار عن المخلوقين والابتعاد عن الظلم والفساد.
ومما لا شك فيه أن الإيمان بالله ثابت في الفطرة الإنسانية، وأحد لوازمها، وهو ما يؤكده قوله تعالى: "فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا” (الروم: 30)، ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه” (رواه البخاري).
وهذا الحديث يشير إلى أن البذرة الأولى للإيمان بالله مغروسة في النفس البشرية، لكن البيئة والمجتمع قد يطمسان معالم هذه الفطرة، وحين يتسنى للإنسان إزالة الرواسب التي طرأت على سريرته يظهر بريق الإيمان، ولهذا يقول العلماء إن الإيمان يزداد وينقص، يزداد بالطاعات والقربات ومحاسن الأقوال والأفعال وينقص بالمعاصي والسيئات.
وكذلك فإن العقل السليم إذا تأمل في النظام المحكم لهذا الكون وآيات الخالق سبحانه في العظائم والصغائر، يدرك أن له خالقًا حكيمًا لا يمكن أن يكون عبثًا، يقول الله عز وجلّ: "إِنَّ فِي خَلقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِ وَٱختِلَٰفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلفُلكِ ٱلَّتِي تَجرِي فِي ٱلبَحرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٖ فَأَحيَا بِهِ ٱلأَرضَ بَعدَ مَوتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖ وَتَصرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلمُسَخَّرِ بَينَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَومٖ يَعقِلُونَ" (البقرة: 164).
وختامًا، فإن الإيمان بالله جل وعلا والتأمل في عظيم صنعه وأسرار مخلوقاته عبادة عظيمة تقرب العبد من خالقه وتزيده يقيناً بعظمة الله وحكمته وعدله.
"وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا” (النمل: 93).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ■