آخر تحديث :الإثنين-15 سبتمبر 2025-06:52ص

مجلة جرهم


جرهـــم.. في قلب المعركة

جرهـــم.. في قلب المعركة

الإثنين - 15 سبتمبر 2025 - 06:52 ص بتوقيت عدن

- مجلة جرهم ــ رئيس التحرير

في قلب الكرة الأرضية يواجه عالمنا العربي اليوم مفارقة غريبة؛ نهاياتٌ غامضة تتعثر بين مسارات غير محسومة ومفترقات غير مفهومة، وواقع مليء بالتناقضات ومعارك بلا أفق، وقلوبٌ تئن تحت وطأة انتظار محتدم يشتعل بالكثير من الأسئلة والتحديات.. حيث تبدو مختلف الملفات العربية والإقليمية مليئة بصراعات متراكمة: اليمن الذي يئن تحت وطأة الحرب، فلسطين التي تشهد فيضًا من الألم، إيران وإسرائيل في مواجهة تفرض واقعًا جديدًا على التوازنات، والقضايا التي تتقاطع فيها السياسة بالإنسان، والهوية بالتجريف والاستلاب.
كما هو الحال في معظم صراعات العالم حاليا، إذ لا تنتصر قوة على أخرى بصورة نهائية، ولا يسجل على صفحة التاريخ الحديث قرار حاسم، بل تبقى النهاية معلقة بين الآمال وآلام المآسي، يعيش الإنسان في عدد من الدول العربية معاناة التهجير والتشريد، وانحسار فرص البناء والتنمية، يظل يحمل ثقل هذا الواقع على أكتافه، منتظرا أي نهاية تهيئ لأفقٍ جديدٍ يحمل في طياته مخرجا إلى وضع آمن وواقع مستقر ومزدهر.
ولا تنحصر هذه النهايات في نطاق الصراعات السياسية فقط، بل تمتد لتشمل البنى الثقافية والفكرية التي تشكل نبض المجتمعات العربية، في ظل معركة محتدمة بين الوعي النقدي والاستلاب الثقافي، حيث تبدو الدولة العربية وواقع الإنسان وعقيدته وهويته محل اختبار دائم ولحظة تساؤل مستمرة؛ كيف يمكن للإنسان أن يضع خارطة طريق في ظل هذه النهايات المفتوحة؟.
إننا في عالمٍ غير مفهوم، تتشابك فيه الحقيقة مع التهويم، بل لم تعد المدافع ولا الصواريخ تكفي لحسم الصراعات، ولا تكشف فيه الرادارات طبيعتها ومآلاتها، هنا تبرز الحاجة إلى سلاحٍ من نوعٍ آخر: إنه سلاح الوعي.
هكذا أصبح الواقع اليوم وتغيّرت فيه ساحات الحروب، وأصبحت معظم المعارك التي كانت تُخاض بالسلاح تُخاض بالكلمة، ومنابر الإعلام باتت تضاهي غرف العمليات في صناعة التأثير وإعادة تشكيل الوعي الجمعي. ولأن المعركة على العقل لا تقل خطورة عن المعركة على الأرض، فإننا نؤمن في “جرهم” أن الكلمة الحرة، والتحليل العميق، والمعرفة الدقيقة، ليست رفاهية، بل ضرورة ملحة.
إنها تلك المنطقة الرمادية بين الظاهر والباطن، حيث صارت العقول هي ميدان المعارك الحقيقية، وبدلًا من الجبهات الممتدة، باتت الجبهات فينا نحن، في ذاكرتنا الجماعية، في وعينا الجمعي، في قدرتنا على التمييز بين الحقيقة والتضليل.
في هذا العدد، لا نرصد فقط تحولات السياسة في منطقتنا، بل يتم الغوص إلى ما وراء الظاهر، نحاول أن نقرأ ما بين السطور، ونرصد ما يُراد لنا ألا نراه، ونتتبع تلك الخيوط الخفية التي تنسج خارطة النفوذ لا على الأرض، بل في وعي الشعوب، في المخيال الجماعي، وفي هندسة الإدراك.
إننا أمام معادلة جديدة للقوة؛ معادلة لا تقوم على توازن السلاح فقط، بل على هندسة السردية، وسيادة المنصة، وتوجيه الرأي العام، في هذا العالم المعولم، حيث يُعاد تعريف الإنسان كمستهلك للروايات والاتجاهات، لا بد من استعادة الوعي كشرط أول لاستعادة القرار.
من الملاحظ بوضوح كيف أصبح الشرق الأوسط كمنطقة لا تتصارع فيها الجيوش فقط، بل تتزاحم فيها المشاريع الكبرى: مشروع الاستقلال السياسي مقابل مشاريع الوصاية؛ مشروع البناء مقابل ثقافة الفوضى؛ مشروع الوعي مقابل آليات الاستلاب.
عبر ملف العدد، نقرأ المنطقة العربية كمساحة صراع بأدوات استعمارية حديثة ابتداء من مشاريع الصهيونية العالمية، مرورا بصناعة المظلوميات عبر أطول مشروع سلالي، وكيف أصبحت حقوق الإنسان أداة من أدوات الهيمنة العالمية، إلى جانب السياسات المزدوجة في التعامل مع الأقليات والاستغلال غير العادل لهذا الملف..
نرصد عبر قراءة الأحداث والنافذة العربية كيف تحوّلت المنطقة من ساحة نزاع محلي إلى قلب العاصفة الدولية، حيث تتقاطع مصالح الدول الكبرى مع أحلام الشعوب الصغيرة، وتصبح الملفات المحلية أوراق تفاوض عالمية.
لكن، وسط هذه التحولات، تبقى المعركة الكبرى هي معركة الدين والوعي والفكر والهوية نسلط الضوء عليها من خلال عدد من التبويبات، نعيد التذكير أن الدين – حين يُفهم كقوة بناء لا كأداة تعبئة – يظل صمام أمان ثقافيًا وأخلاقيًا، يقي المجتمعات من السقوط في العبث الأيديولوجي ويعيد تعريفه وفق الفكرة والفطرة السليمة.
إلى جانب تبويبات أخرى اجتماعية واقتصادية وثقافية وأدبية مختلفة يستطيع القارئ أن يخرج منها بقيمة معرفية وثقافية وفهم للواقع ومعالجات لبعض الإشكاليات في الحياة..
ففي غمرة التنافس على النفوذ، نركز على الإنسان، حيث تبرز الحاجة إلى مرجعيات واعية واهتمام حكومي ودولي بمعالجة معاناته ومآسيه في ظل صراعات المنطقة، ذلك أن من الأهمية بمكان اعتبار الإنسان العربي أولًا في تغيير كافة المعادلات والمعاملات وإعادة بنائه من الداخل. وهنا، نؤكد أن الإنسان هو الغاية وهو الوسيلة وهو الحصن الذي يحمي الوعي من التآكل، في زمنٍ باتت فيه القيم سلعة، والحقيقة وجهة نظر، والانتماء مجرد خيار عابر.
هذه المواضيع، بكل تفرعاتها، تتقاطع عند فكرة واحدة:
إن معركة المستقبل ليست على الأرض فقط، بل في الإنسان الفاهم، وأن الخرائط لا تُرسم فقط بالجيوش، بل تُحفر في العقول عبر الوعي وتوسيع الإدراك، وفهم الواقع من خلال التحليلات لا التحايلات، والروايات غير المنحازة، والرسائل المتدفقة على مدار اللحظة.
وهنا يكمن جوهر مشروع “جرهم”:
أن نعيد تعريف المعركة، لا على أساس من يربح الأرض، بل من يصوغ الوعي.
أن نؤمن أن الكلمة الجادة، والخطاب الواعي، والتحليل المسؤول، هي جبهات لا تقل شرفًا عن جبهات القتال.
ندعو القراء والمتابعين إلى الاطلاع على محتويات العدد وابداء آرائهم وملاحظاتهم على ما ورد عبر القنوات الموضحة فيه، كما نؤكد أن صفحات المجلة ومواقع مؤسسة جرهم مفتوحة لمن أراد المشاركة وإثراء المحتوى في الاعداد القادمة.
للجميع: مرحبًا بكم في جرهم ■