آخر تحديث :الأحد-28 سبتمبر 2025-05:30م

مجلة جرهم


الصنمية والتقديس في المنظور الإسلامي

الصنمية والتقديس في المنظور الإسلامي

الأحد - 28 سبتمبر 2025 - 05:30 م بتوقيت عدن

- مجلة جرهم ــ أ.د.فؤاد البنا ـ بروفيسور في الفكر الإسلامي - اليمن


نود في هذه المقالة المرور على واحدة من آفات التخلف الذي يشوه واقعنا الإسلامي المعاصر، وهي تصنيم الأفكار البشرية والتعامل معها كأنها من كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وتقديس الرجال وكأنهم أنبياء لا ينطقون عن الهوى!

عوامل التصنيم والتقديس:
هناك عدد من العوامل التي تضافرت مع بعضها في تشكيل هذه الظاهرة، وأبرزها:
١- الخلط بين الثوابت والمتغيرات:
من المعلوم أن الدليل النظري للإسلام هو القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية، ويتكون الوحي من نصوص محكمة وأخرى متشابهة أو قطعية الدلالة وظنية الدلالة، والنصوص القطعية أو المحكمة هي عنوان الثوابت التي لا ينبغي لمسلمين أن يختلفا فيها ما داما يعرفان قواعد اللغة العربية التي تنزل بها القرآن الكريم، ويعرفان مقاصد الشريعة الإسلامية التي جاء الوحي لتحقيقها في دنيا الناس، أما النصوص المتشابهة أو الظنية الدلالة فهي محل اختلاف طبيعي بين القراء والمجتهدين، بشرط ربط الجزئيات بالكليات والفروع بالأصول، وخدمة الوسائل والأساليب للمقاصد والغايات.
ومن ثم فإن تصنيم الأفكار وتقديس الشخصيات يبدأ من عدم التمييز الحاسم بين الثوابت والمتغيرات، وذلك بأن تتم مساواة الفروع بالأصول والجزئيات بالكُليّات، والوسائط بالمقاصد، ويتم إقامة ولاء وبراء في مجالي الفكر والفقه وهما مجالان بشريان أداتهما هي الاجتهاد، كما لو أننا في ساحتي العقيدة والشريعة اللتين تضمان الثوابت النظرية والعملية في الإسلام!
٢- الخلط بين الدين والتدين:
وبالطبع فإن الدين هو ما تنزل من عند الله ويتمثل في الوحي السماوي المعصوم من التبديل، وهو مطلق الصواب ويتجاوز الزمان والمكان؛ لأنه انعكاس لصفات الإله الخالق الذي لا مثيل لصفاته ولا منتهى لأفعاله، فهو بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير، ويعلم من خلق وهو اللطيف الخبير!
أما التدين فهو الذي يكون الناس حلقة فيه، أي أنه ينصب على مناهج فهمهم لهدايات الإسلام وطرائق تطبيقهم لتعاليمه في واقع الحياة، وهنا لا بد أن تحضر النسبية؛ بسبب الخصائص البشرية من ضعف وجهل وقصور وظلم ونسيان وخطأ، وينطبق هذا على كل ما أنتجه المسلمون من تفاسير قرآنية وفرق كلامية وتيارات فكرية ومذاهب فقهية وطرق صوفية!
ومن يخلط بين الدين والتدين بأي صورة من الصور، فإنه يرفع كلام البشر إلى درجة كلام الله تعالى، ويمنح البشر مكانة لا تليق إلا بالأنبياء المعصومين!.

٣- الخلط بين الوحي والتراث:
لا يختلف اثنان حول أن الوحي يتضمن فقط كلام الله وما صح عن رسول الله مما قاله على سبيل البلاغ وجاء به في سياق الهداية والتشريع، ومع ذلك نجد في الواقع العملي مسلمين يرفعون التراث البشري إلى درجة الوحي؛ وذلك بالدعوة إلى العض عليه بالنواجذ والوقوف ضد نقده وغربلته، والتراث هو كل ما أنتجه المسلمون في سائر مجالات الحياة من عصر الصحابة حتى العصر الذي يسبق زماننا هذا ولو بجيل واحد، أي إنه ما ورثناه من آبائنا الأبعدين والأقربين!
والتراث منه الحق ومنه الباطل، وفيه الصالح والفاسد والنافع والضار، ويشتمل على الصواب والخطأ، وحتى الصواب فإن قانون النسبية يسري عليه، فما هو صواب اليوم قد لا يكون صوابا في الغد، وما هو صواب في منطقة ما قد لا يكون صوابًا في منطقة أخرى، وما يصلح لأناس قد لا يصلح لغيرهم، لأن مناط التصويب والتخطيء في منطقة المتغيرات هو القدرة على جلب المصلحة ودرء المفسدة على أفضل وجه ممكن!.
فما بالك إن كان التراث قائمًا على الكذب والزيف كما هو حاصل في طوائف وفرق الشيعة التي تتخذ من أعلامها هُداةً بمثابة القرآن، ومن أئمتها وملاليها نماذج معصومة من الخطأ والباطل، وبالتالي يجب تعظيمهم وتصنيمهم وتقديمهم كعناوين للقداسة العمياء التي لا يجب الخروج عنها، وما بني على باطل فهو باطل، خاصة إذا ما أدركنا أن التشيع في الأصل أكذوبة تمشي على أربع، وأن النتائج من جنس المقدمات.

محاربة الإسلام لظاهرة الصنمية والتقديس
من المعلوم أن الأمة قد انقسمت في موضوعات العقيدة إلى فِرَق، وفي أبواب الشريعة إلى مذاهب، وفي مسائل الروح إلى طُرُق، وفي مناهج الدعوة إلى جماعات، وفي قضايا السياسة إلى أحزاب، وفي ميادين الفكر إلى تيارات.
والانقسام ليس مشكلة إذا كان الجميع يؤمنون بشمولية الإسلام ويحرصون على تخصص كل فريق في العمل على شاكلته أي بما يناسب ميوله وقدراته؛ فكل أناس ميَسّرون لما خلقوا له، لكن المشكلة تكمن في اعتقاد أي فريق من هؤلاء أنهم وحدهم من يمتلكون الحقيقة المطلقة، بل لا يتورع كثيرون منهم عن تسفيه غيرهم، ويظهر ذلك حتى في تسميات وعناوين الجماعات والفرق والتيارات.
ونضرب المثل هنا بالسالكين في الجانب الروحي وهم المتصوفة، والذين يُفترض أنهم الأكثر نُكرانًا لحظوظ النفس والأبعد عن الشخصانية واحتكار الحقيقة، لكن أغلبهم يُقسِّمون المسلمين إلى (أهل شريعة) و(أهل حقيقة) معتقدين أن أهل الحقيقة هم من يفهمون وحدهم مراد الله على وجه اليقين ويبتغون مرضاته بإخلاص ويحصلون على القرب منه حصريًا، ومن ثم فإنهم يجعلون أنفسهم أهل حقيقة دون غيرهم من الفرق الكلامية والمذاهب الفقهية والتيارات الفكرية والمدارس الحديثية، ويرون أن أهل الطريقة هم أصحاب الحقيقة اسمًا ومسمًّى!
ولم يتوقف المتصوفة عند هذا الحد بل انقسموا في ما بينهم إلى طرائق تتنازع احتكار الحقيقة، ووصل التعصب ببعضهم إلى حدّ اعتبار طريقته الجماعة الناجية والصراط المستقيم، وأن من عداهم إنما هم من الجماعات الهالكة أو من السُّبُل التي تبعد الناس عن صراط الله المستقيم ومحجته البيضاء !!.
ولقد حارب الإسلام احتكار الحقيقة المطلقة بكل السبل، وشن الغارة على تقديس الأشخاص وتوثين الأفكار، كما في قوله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله والمسيح ابن مريم} [التوبة: 31]، ونلاحظ الشدة والصرامة في التشنيع على هؤلاء أنه تعالى لم يقل: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم آلهة؛ مع أن الإله هو الذي يطاع وهم إنما أطاعوهم فحرموا عليهم بعض ما هو حلال وأحلوا لهم بعض ما هو حرام، بل قال اتخذوهم أربابًا، والرب هو الذي يخلق ويرزق ويحيي ويميت، ذلك أن المستحق للطاعة والعبادة هو الله وحده؛ لأنه من يخلق ويرزق ويحيي ويميت، فكأنهم بطاعتهم إياهم قد جعلوهم أربابًا، ولذلك ورد في آية أخرى قوله تعالى: {ألا له الخلق والأمر} [الأعراف: 54] والأمر هو الحكم!
وأخبرتنا الأدبيات الإسلامية بأن العناية حينما تنصرف من الأفكار إلى الأشخاص، وأن الاهتمام حينما ينتقل من الصلاح إلى الصالحين، فإن البيئة تصير حينئذٍ خصبةً لاستزراع آفات الصنمية، أما إذا انْضاف الجهل إلى تلك الشخصانية؛ فإن الصالحين يصيرون أصنامًا يتقرب بها العبيد إلى الرب عز وجل!
ومن يعرف القصة التي يدور حولها قوله تعالى: {ولا تَذرون وَدًّا ولا سُواعًا ولا يَغوثَ ويَعوقَ ونَسرًا} [نوح: 23]؛ يدرك ذلك بجلاء لا لبس فيه، فقد كانوا رموزًا للصلاح داخل مجتمعاتهم، فأحبَّ ساذجو الصالحين أن يُخلدوا ذكراهم حتى لا تنساهم الأجيال القادمة، وبعد آماد من الزمن جاءت أجيال لا تمتلك من العلم شيئًا، وجعلت من تماثيل هؤلاء الصالحين أصنامًا تُعبد لتقربهم من اللَّه زُلفى!.


الصنمية الشيعية:
وهكذا فإن ظاهرة التقديس الأعمى ليست حكرًا على فرقة أو مذهب إسلامي بحد ذاته، لكنها في بعض طوائف وفرق الشيعة تجاوزت المعقول لتتحول من محبة وتوقير إلى صنمية فكرية وسلوكية تصطدم بأصول التوحيد، وتُقوّض مقاصد الشريعة، وتفرّغ الدين من جوهره التربوي والأخلاقي، ذلك أن الخطاب العقدي في الفكر الشيعي –ولا سيما لدى الاثني عشرية– ينص على مبدأ العصمة المطلقة للأئمة، بل يترقّى ذلك أحيانًا إلى مقامات تقارب الألوهية من حيث العلم المطلق، والتصرف في الكون، وشمول الولاية التكوينية، أما الهادوية فقد جعلت الإمامة أصلًا من أصول العقيدة الخمسة -العدل، والتوحيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإمامة، والوعد والوعيد- والخروج عن ولاية علي كأصل عقدي يعتبر كفرًا، وبهذا جسدت صنمية الشخص وتقديس الفكرة معًا، وتُنسج حول الأئمة أساطير غيبية، لا يثبت أكثرها نصًا ولا عقلًا، مما يُفضي إلى شخصنة الدين واحتكار معناه وتأويله ضمن سلالة بشرية معينة. ويصبح نقد المرجعيات الدينية في كثير من البيئات الشيعية، خاصة في الحوزات، مساواة للطعن في الدين ذاته، ورفض توجيهاتها يُعدّ خروجًا عن المذهب!. وفي سبيل تغذية هذا التقديس وإضفاء الهالة على تلك الرموز الطائفية بعد أن وجدت لها في معظم البلاد العربية متسعًا ومراجع وبخاصة في اليمن والعراق ولبنان وغيرها، فإن تلك الجماعات تعمد إلى إحياء الممارسات والطقوس، كعاشوراء وزيارة كربلاء، ويوم الولاية والغدير وغيرها، الأمر الذي يسهم في تعميق التصور الشعائري المغلوط، وتعزيز الارتباط العاطفي المنفصل عن النقد العقلي. وتصل المبالغات إلى حدّ استغاثة الأتباع بالأئمة وطلب الحاجات منهم، وهذا يتنافى مع التوحيد الخالص الذي جاء به الإسلام، حيث يصبح الولاء للمرجع أو الإمام هو معيار النجاة، ولو كان على حساب الدين والعقيدة وكرامة الإنسان، خاصة أن صناعة هذه الحالة من التصنيم والهالة من التقديس الأعمى لتلك المرجعيات يتخذ أحيانًا طابعًا سياسيًا في تجييش الأفراد وتوجيه القطيع إلى تكريس الإمامة والنزاعات الطائفية والخروج المسلح لمواجهة الآخرين ممن يرونهم كفارًا لعدم اتباعهم لهذا المذهب أو ذاك.

الخلاص من الوثنية:
لا يمكن الخلاص من هذه الآفة ما لم يتوافر عدد من العوامل نشير إلى أهمها من خلال الومضات الآتية:
١- تفعيل مناهج تدبر القرآن:
عند تأملنا لكيفية ظهور الآفات التي أصابت الشخصية المسلمة والمجتمع المسلم قديمًا وحديثًا، وجدنا أن السبب الأول فيها هو البعد عن القرآن حسيًّا أو معنويًّا، وذلك بهجر التدبر الذي يستمطر هدايا القرآن وهداياته التي هي كفيلة بإعلاء فاعلية الفرد والمجتمع.
وينبغي هنا التمييز الصارم بين نصوص الوحي وبين أفهام البشر من المفسرين والفقهاء والمفكرين، فالكتاب الوحيد الذي قال الله بأنه: {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه} [فصلت: 42]، هو القرآن الكريم؛ ذلك أنه: {تنزيل من حكيم حميد} [فصلت: 42]، أي إنه انعكاس لصفات الكمال والجلال المطلقة.
وفي هذا السياق ينبغي التأكيد دومًا على أنه لا عصمة لأحد من الخلق إلا للرسول صلى الله عليه وسلم، لا لكونه محمدًا ولكن لكونه رسولًا يوحى إليه من الله: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} [النجم: 4]، ومما رواه البخاري في الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله"،، وهكذا ينبغي أن يعيَ عامة المسلمين أن انتساب أي شخص إلى دائرة العلم لا يعطيه أية عصمة، ولا يمنحه شيكًا على بياض؛ ليفتي في دين الله بما يريد!.

٢- إصلاح مناهج التربية والتعليم
من خلال خلفيتي التربوية وتخصصي في الفكر الإسلامي وخبراتي بواقع المجتمعات الإسلامية، بدا لي أن جموع المسلمين اليوم تحتاج بشدة إلى نظام تربوي يقضي على الآفات والفتوق في الشخصية المسلمة والمجتمع المسلم، والتي صنعها التخلف الموروث وسببتها الأنظمة المستوردة في حياتنا، وأهمها باقتضاب:
أ- الفصام الموجود في الشخصية المسلمة والذي جعل العقل والقلب والروح شركاء متشاكسين داخل الذات الواحدة، ومن ثم لا بد من البحث عن معادلات فكرية ونفسية تقضي على هذا الفصام وتصنع الانسجام التام بين هذه الثلاثية داخل الذات، بحيث تتضافر على البر والتقوى ولا تتنافر في سبل الإثم والعدوان !.
ب- التلقين السلبي الذي يسير بالتعليم في اتجاه إجباري واحد، ويخلق شخصيات عمياء تبالغ في السمع والطاعة وتصبح في أيدي زعمائها وشيوخها كالميت بيد المغسل، ويحتاج إلى تحلية العقول بالتفكير النقدي الذي يميز بين الألوان ويمنح صاحبه الأذن الفكرية التي تستمع إلى كل قول فتتبع أحسن ما فيه.
ج- الشخصانية التي تتملك العقل والقلب وتجعل المرء يتمحور حول الأشخاص لا الأفكار، وتحتاج إلى مناهج علمية وأخلاقية تطلق ملكات الفرد وطاقاته في آفاق التفكير العقلاني والممارسات الموضوعية التي تنحاز إلى المعايير العادلة بشكل صارم.

٣- إبراز ثقافة الشورى والنقد الذاتي:
من المعلوم أن الإنسان كائن محدود القدرات والطاقات، وأنه ضعيف بنفسه قوي بإخوانه، وتخبرنا شعائر الإسلام بأهمية الجماعة في هذا الشأن، وعلى سبيل المثال تؤكد الأحاديث النبوية أن صلاة الجماعة خير من صلاة الفرد، وأن صلاة الثلاثة خير من الاثنين وأن صلاة الألف خير من صلاة المئة، ذلك أن العدد كلما كان أكبر زادت البركة التي تهطل من سماء الله، وتتجلى بركة الجماعة في دائرتي التصورات والتصرفات!
وبالنسبة للتصورات نعرف أن زوايا النظر للحقائق والقضايا تزداد فيتكون تصور صحيح عنها مما يؤدي إلى اتخاذ العلاج المناسب لها، وبالنسبة للتصرفات تتكتل الطاقات الجمعية بصورة تجعل من الصعب كسرها أو هزيمتها، ومن هنا وردت نصوص نبوية عديدة من مثل: "يد الله مع الجماعة, ومن شذ شذ في النار" و"إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية"!
وفي حين أُسدل الستار على الاجتهاد الحر والنقد البنّاء بشكل ملحوظ، لتحل محله ثقافة الاتباع والانغلاق والتكرار، مما جَمَّد الإبداع وأبقى الأمة أسيرة نصوص واجتهادات تُقدَّس ولا تُناقش، فإنه بلا شك أن إبراز ثقافة الشورى وتفعيل فريضة النقد الذاتي من أهم موانع تصنيم الرجال وتقديس الشخصيات؛ ذلك أنهما تمنحان الناصح والناقد والمشير شعورًا بتقديرهم لذواتهم, وتحولان دون رضاهم بالدونية فضلًا عن دخولهم زرائب التبعية العمياء وحظائر العبودية للبشر، وفي ذات الوقت تمنعان المنصوح من الشعور بالتفوق على الآخرين والانزلاق نحو الطغيان على الناس؛ إذ يدرك في مثل هذا الوضع أن فوق كل ذي علم عليم، وأن الله قد يضع سره في أضعف خلقه، وأنه تعالى يوزع نعمه بالعدل على خلقه وقد يوجِد في النهر ما لا يوجِد في البحر!.

٤- تجفيف المنابع الفكرية والنفسية للوثنية المعاصرة:
وبلا شك فإن الوثنية ترافق البشر منذ خلقتهم الأولى؛ نتيجة ما يعتريهم من ضعف وفجور وما يتحلى به أصل خلقتهم الترابية من ظلم وجهل، لكن ثقافة هذا العصر أوجدت صورًا خفية من الوثنية وسهلت الانزلاق نحوها، بفعل عوامل كثيرة ليس المقام مناسبًا للحديث عنها، ولكن ينبغي لمن يهمهم أمر معالجة هذه الظاهرة أن يجروا دراسات اجتماعية ونفسية، فكرية وميدانية، من أجل البحث عن سائر المنابع الفكرية والنفسية التي تتسبب في بروز ظاهرة الصنمية والشخصانية داخل الأفراد وفي جريان سيول الظلم والطغيان داخل المجتمعات، مع البحث العلمي الدائب عن أنجع الرؤى والوسائل التي تتكفل بتجفيف المنابع ومحاصرة الآثار.

ختامًا
لقد آن للأمة أن تُعيد ضبط البوصلة، وتفصل بين التوقير المشروع والنقد المحظور، وأن تفهم أن العصمة للوحي، لا للأشخاص، وأن التقديس لله، لا لعباده؛ فبذلك فقط يمكن للإسلام أن يبقى حيًّا في النفوس، متجددًا في العقول، موحّدًا لا ممزقًا.