آخر تحديث :الأحد-12 أكتوبر 2025-10:44م

مجلة جرهم


الدول المغاربية .. الثقافة الشعبية العربية وتحولات الهوية

الدول المغاربية .. الثقافة الشعبية العربية وتحولات الهوية

الأحد - 12 أكتوبر 2025 - 10:06 م بتوقيت عدن

- مجلة جرهم ــ د. يوسف البقالي ــ مدير الأكاديمية الدولية للغات والثقافات - كندا


تقديم
تحتل الثقافة الشعبية العربية في الدول المغاربية (المغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا، وموريتانيا) مكانة محورية في تشكيل الوعي الجمعي وصياغة ملامح الهوية الوطنية. فهي ليست مجرد تراكمات من العادات والتقاليد والفنون، بل هي منظومة ديناميكية تعكس تفاعل المجتمع مع محيطه، وتترجم صراعاته وتطلعاته وتحدياته.
في العقود الأخيرة شهدت المجتمعات المغاربية تحولات اجتماعية وسياسية عميقة، كان لها بالغ الأثر على الثقافة الشعبية، سواء من حيث التأثر بالعولمة والانفتاح الإعلامي، أو من حيث بروز النزعات العرقية وصعود الخطابات الهوياتية، أو حتى من حيث التفاعل مع الحراك السياسي والثورات الشعبية.
وسط هذا المشهد المتغير، تطرح الثقافة الشعبية العربية نفسها كساحة للتأثير والتأثر، وكمختبر حي لصياغة توازنات جديدة بين مكونات الهوية المغاربية، في ظل تعددها الثقافي واللغوي والديني.
في هذا المقال التحليلي، سنحاول تفكيك بنية الثقافة الشعبية العربية في المغرب العربي، وقراءة مسارات تشكلها وتفاعلها مع التحولات الكبرى، مع إبراز أدوارها في توحيد المجتمع أو تأجيج التوترات، وصولًا إلى استشراف مستقبلها في ظل التحديات الراهنة.

التعدد الثقافي والتنوع الهوياتي
يبرز المغرب العربي كواحد من أكثر المناطق العربية ثراءً وتنوعًا من حيث البنية الثقافية والهوياتية، إذ تتداخل في نسيجه الاجتماعي والتاريخي عناصر عربية وأمازيغية وإفريقية ومتوسطية، ما يمنحه طابعًا فريدًا ويجعله نموذجًا للتعدد الثقافي في العالم العربي. هذا التعدد ليس مجرد تواجد متجاور لمكونات ثقافية، بل هو نتاج سيرورة تاريخية معقدة من التفاعل والتثاقف بين شعوب وقبائل وممالك تعاقبت على المنطقة. فاللغة العربية، التي دخلت بقوة مع الفتح الإسلامي، لم تقتصر على دورها الديني والإداري، بل تحولت إلى لغة يومية جامعة، استطاعت أن تستوعب وتحتوي كثيرًا من المفردات والتعابير الأمازيغية والمحلية، بينما ظلت الأمازيغية محافظة على حضورها في مناطق شاسعة، وأسهمت بعمق في تشكيل العادات والفنون والطقوس.
أما التأثير الإفريقي، فقد كان واضحًا في الموسيقى والرقصات والأزياء، حيث تظهر أنماط إيقاعية وحركية تعكس الامتداد الجغرافي نحو الصحراء الكبرى وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء. كما أن الموقع المتوسطي أضفى على المنطقة انفتاحًا على حضارات البحر الأبيض المتوسط، من رومانية وبيزنطية وأندلسية، ما أضاف إلى الثقافة المغاربية عناصر جديدة من الفنون والعمارة والمأكولات.
هذا التعدد أنتج فسيفساء ثقافية معقدة، تتجلى في تعدد اللهجات، وتنوع التقاليد، وتكامل الفنون الشعبية، حيث نجد في كل منطقة من المغرب العربي بصمة خاصة تعكس خصوصيتها المحلية، دون أن تنفصل عن المشترك العربي الإسلامي. ورغم فترات التوتر والصراع حول قضايا الهوية والانتماء، فقد ظلت الثقافة الشعبية المغاربية قادرة على التكيف والتجدد، محولةً التعدد إلى مصدر قوة وإبداع، لا إلى عامل انقسام. ويظل هذا التعدد الثقافي أحد أهم عناصر تماسك المجتمعات المغاربية وثرائها الحضاري.

الإرث الثقافي العربي والمكونات المحلية
تراكم الإرث الثقافي العربي في المغرب العربي عبر قرون طويلة من التفاعل والتداخل مع المكونات المحلية، ليشكل فسيفساء حضارية فريدة لا نظير لها في العالم العربي. لم يكن الفتح الإسلامي في القرن الثامن الميلادي مجرد حدث سياسي أو عسكري، بل كان نقطة تحول محورية أعادت رسم الخارطة الثقافية والاجتماعية للمنطقة، حيث التقت القيم العربية الإسلامية مع الموروثات الأمازيغية والإفريقية، لتبدأ عملية تثاقف خلاق أفرزت أنماطًا ثقافية جديدة ومركبة.
ففي حين كانت المنطقة قبل الفتح الإسلامي مسرحًا لحضارات متعاقبة من نوميدية وقرطاجية ورومانية وبيزنطية، جاءت الهجرات العربية لتضيف طبقة جديدة من القيم والعادات واللغة والدين، لكنها لم تلغِ ما سبقها، بل تفاعلت معه بمرونة. لم تكن عملية التعريب والأسلمة إحلالًا قسريًا، بل غالبًا ما جرت في إطار من التعايش والتكامل، حيث اندمجت القصص والأساطير المحلية مع الحكايات العربية، وتقاطعت الأمثال الشعبية، وتداخلت الألحان والإيقاعات، حتى بات من الصعب أحيانًا الفصل بين ما هو عربي وما هو أمازيغي أو إفريقي في الموروث الشعبي.
برز التصوف الإسلامي كظاهرة ثقافية ودينية وجدت في البيئة المغاربية أرضية خصبة، فامتزجت الطقوس الدينية بالعادات المحلية، كما انعكس هذا التداخل في الأدب والفنون، فظهرت أنماط هجينة مثل الشعر الملحون، والموسيقى الأندلسية، والرقصات الجماعية، وكلها تعكس تفاعلًا مستمرًا بين الأصالة والانفتاح، وبين المحلي والعربي والإسلامي.
ويبرز هذا التراكم في تفاصيل الحياة اليومية، من عادات الضيافة والاحتفاء بالضيف، إلى طقوس الأعراس والمناسبات الدينية والاجتماعية، حيث نجد عناصر عربية كالقهوة والكرم والاحتفاء، ممتزجة بعادات أمازيغية وإفريقية في اللباس والموسيقى والزينة. وتظهر القواسم المشتركة بين المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا بقوة في المناسبات الكبرى، إذ تتشابه طقوس الاحتفال بالأعياد والمواسم، وتتكامل الفنون الشعبية، وتبرز وحدة الذاكرة الجماعية رغم اختلاف اللهجات والتفاصيل.
ورغم أن هذا التراكم والتداخل لم يكن دائمًا سلسًا، إذ شهدت بعض الفترات صراعات رمزية حول الهوية، خاصة مع صعود الحركات الأمازيغية أو بروز النزعات المحلية، إلا أن الغالب في تاريخ المنطقة كان التعايش والتكامل، ما أفرز ثقافة شعبية غنية بالمعاني والدلالات، وقادرة على التجدد والاستمرار.
لقد أصبح الموروث الثقافي المغاربي ذاكرة حية للمجتمعات، وصلة وصل بين أجيال الماضي والحاضر والمستقبل، وأداة لتعزيز مقومات الوحدة الحضارية في مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية. إن تثمين هذا الإرث المشترك وتوثيقه ليس مجرد عمل أكاديمي أو فني، بل هو استثمار في مستقبل المنطقة، ومحاولة للتقريب بين شعوبها، حيث تظل الثقافة الشعبية هي الجسر الأمتن الذي يجمع ولا يفرق، ويمنح المجتمعات المغاربية القدرة على مواجهة التحولات دون فقدان هويتها الأصيلة.

التحولات السياسية والاجتماعية
شهدت المجتمعات المغاربية عبر تاريخها الحديث سلسلة من التحولات السياسية والاجتماعية العميقة التي تركت بصماتها الواضحة على الثقافة الشعبية ومضامينها. كانت بداية هذه التحولات مع الحقبة الاستعمارية، حينما خضعت بلدان المغرب العربي لسيطرة قوى أوروبية مختلفة. لم يكن الاستعمار مجرد احتلال للأرض، بل كان مشروعًا لتغيير البنية الثقافية والاجتماعية، إذ سعى إلى تفكيك البنى التقليدية للمجتمع، وزرع بذور الفرقة والانقسام بين المكونات العرقية واللغوية، عبر سياسات تمييزية شجعت بعض الهويات على حساب أخرى، وفرضت لغات وثقافات أجنبية على حساب اللغة والثقافة العربية والأمازيغية. كما حاول الاستعمار فرض أنماط ثقافية غربية في التعليم والإدارة والحياة اليومية، ما أدى إلى حالة من الاغتراب الثقافي لدى شرائح واسعة من المجتمع.
غير أن رد الفعل الشعبي على هذه السياسات كان قويًا، إذ برزت الثقافة العربية الإسلامية كرمز للمقاومة والوحدة الوطنية، وتحولت الأغنية الشعبية والحكاية والشعر الملحون إلى أدوات للتعبير عن الهوية والاحتجاج على الواقع المفروض. وازدهرت الفنون الشعبية كمجال لتأكيد الذات الجماعية واستعادة التوازن النفسي والاجتماعي في مواجهة التغريب. وبعد الاستقلال؛ دخلت الدول المغاربية مرحلة جديدة من بناء الدولة الوطنية الحديثة، حيث كان التركيز على الهوية العربية الإسلامية باعتبارها عنصرًا موحدًا للمجتمع، فتم تعريب التعليم والإدارة، وأعطي للدين الإسلامي مكانة مركزية في الحياة العامة. غير أن هذه السياسات، رغم نجاحها في تعزيز الوحدة الوطنية، أدت أحيانًا إلى تهميش المكونات المحلية الأخرى، خاصة الأمازيغية، ما أفرز حركات اجتماعية وثقافية تطالب بالاعتراف بالتعدد اللغوي والثقافي، وإعادة الاعتبار للهويات غير العربية.
وفي العقود الأخيرة، خاصة مع اندلاع الثورات والحراك الشعبي في بعض بلدان المنطقة، عاد سؤال الهوية والانتماء ليطرح بقوة غير مسبوقة، وظهرت أشكال جديدة من التعبير الثقافي تعكس التوترات والآمال في آن واحد. شهدت الثقافة الشعبية موجة من التجديد والانفتاح، مع عودة قوية للفنون المحلية وارتفاع الأصوات المطالبة بالاعتراف بكل روافد الهوية المغاربية. وهكذا، ظلت الثقافة الشعبية في المغرب العربي مرآة تعكس التحولات السياسية والاجتماعية، وأداة حية لتشكيل الوعي الجمعي وصياغة مستقبل أكثر تعددية وانفتاحًا.

الثقافة الشعبية والانفتاح الإعلامي
مع مطلع القرن الحادي والعشرين، دخلت الثقافة الشعبية في الدول المغاربية مرحلة جديدة من التحولات العميقة بفعل العولمة والانفتاح الإعلامي المتسارع، حيث تدفقت إلى المجتمعات المغاربية أنماط ثقافية عالمية عبر القنوات الفضائية، والإنترنت، وشبكات التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى إعادة صياغة الذوق العام وتغيير أولويات الأجيال الجديدة. لم تعد الثقافة الشعبية حكرًا على الفضاء المحلي أو الإقليمي، بل باتت تتفاعل بشكل يومي مع تيارات ثقافية قادمة من الشرق والغرب، من موسيقى البوب والراب إلى الموضة والأفلام والمسلسلات الأجنبية، وهو ما انعكس على أنماط اللباس، والموسيقى، وحتى على اللغة اليومية التي باتت تضم مفردات أجنبية كثيرة.
لكن هذا الانفتاح لم يكن أحادي الاتجاه أو مجرد عملية استهلاك سلبي للمنتج الثقافي العالمي. فقد أتاح الإعلام الحديث أيضًا فرصًا غير مسبوقة لإحياء التراث المحلي وإعادة تقديمه في قوالب عصرية أكثر جاذبية للأجيال الجديدة. ظهرت موجات وأنشطة متعددة أعادت الاعتبار للثقافة الشعبية والإيقاعات المحلية، مع توظيف أدوات الإنتاج الرقمي والتوزيع الإلكتروني. كما انتشرت مهرجانات الفلكلور في المدن والقرى، وأصبحت منصات التواصل الاجتماعي فضاءً رحبًا لتبادل الحكايات الشعبية، والأمثال، والوصفات التقليدية، والفنون اليدوية، ما ساعد في توثيق التراث غير المادي ونشره على نطاق واسع داخل وخارج حدود الوطن.
لعب الإعلام الرقمي دورًا مهمًا في تعزيز التواصل بين أبناء الجاليات المغاربية في المهجر وبلدانهم الأصلية. فقد أتاح للأجيال الجديدة من المغتربين الاطلاع على تراثهم الثقافي، والمشاركة في إحيائه وتطويره، كما أسهم في خلق جسور تواصل بين مختلف مكونات المجتمع المغاربي، رغم تباعد المسافات الجغرافية. ومع ذلك، لم يخلُ هذا الفضاء الرقمي من صراعات هوياتية وسجالات حادة حول قضايا اللغة والانتماء، إذ برزت خلافات حول أولوية العربية أو الأمازيغية، أو حول رموز التراث المشترك، ما يعكس استمرار التوترات بين مكونات المجتمع.
ومع كل ذلك، فإن هذه الديناميكية الثقافية المتجددة تعبر عن قدرة المجتمعات المغاربية على التفاعل مع المتغيرات دون أن تفقد جذورها. فالثقافة الشعبية المغاربية، رغم تعرضها لرياح العولمة، أثبتت مرونتها وقابليتها للتجدد، واستطاعت أن تحافظ على خصوصيتها وتعيد إنتاج ذاتها باستمرار. وهكذا، تظل الثقافة الشعبية في المغرب العربي فضاءً مفتوحًا للحوار بين الماضي والحاضر، بين المحلي والعالمي، وبين التقاليد والحداثة.

نحو ثقافة جامعة لا مجزأة
تعيش الثقافة الشعبية العربية في المغرب العربي اليوم مرحلة دقيقة تتسم بتعدد التحديات وتشابكها، إذ أصبح الحفاظ على التوازن بين الوحدة والتنوع، وبين الأصالة والانفتاح، ضرورة ملحة لضمان تماسك المجتمعات المغاربية واستمرارها في مواجهة المتغيرات. فمع تزايد الوعي بأهمية الاعتراف بكل مكونات الهوية المغاربية، من عربية وأمازيغية وإفريقية ومتوسطية، تتعالى الأصوات المطالبة بإعادة الاعتبار لكل روافد الثقافة المحلية، وإعطائها المكانة التي تستحقها ضمن المشهد الثقافي الوطني. غير أن هذا المسعى يصطدم أحيانًا بتصاعد خطابات الإقصاء والتشنج، سواء من بعض التيارات القومية أو من بعض الحركات المحلية، ما يهدد بتفتيت النسيج المجتمعي وإضعاف الروابط الجامعة بين أبناء الوطن الواحد.
إن مستقبل الثقافة الشعبية في المغرب العربي مرهون بقدرتها على تجاوز الصراعات الرمزية والانقسامات الهوياتية، والعمل على بناء نموذج ثقافي جامع يحتضن كل الروافد ويمنحها مكانتها دون تمييز أو تهميش. ويتطلب ذلك مراجعة شاملة للسياسات التعليمية والإعلامية، بحيث تعكس حقيقة التعدد الثقافي وتروج لقيم الحوار والتعايش، بدلًا من إعادة إنتاج الصور النمطية أو تعزيز الانقسامات. كما أن دعم الفنون الشعبية والتراث المحلي يشكل ركيزة أساسية في هذا المسار، من خلال تشجيع الإبداع الفني الذي يجمع بين المكونات المختلفة للهوية، وتنظيم مهرجانات وفعاليات ثقافية تعزز من روح الانتماء المشترك.
إلى جانب ذلك؛ تبرز أهمية تشجيع البحث العلمي والدراسات المقارنة حول التعدد الثقافي والهوياتي، وتوثيق التراث غير المادي بكل مكوناته، بما يساهم في ترسيخ الوعي بأهمية التنوع كعنصر قوة لا مصدر ضعف. كما أن الانفتاح على الجاليات المغاربية في الخارج، ودعم المبادرات التي تعزز ارتباطها بجذورها، يشكلان عاملين مهمين في بناء شبكة ثقافية عابرة للحدود، قادرة على نقل الخبرات وتوسيع آفاق التلاقي الثقافي.
إن الثقافة الشعبية ليست مجرد ذاكرة للماضي أو حنين إلى الجذور، بل هي أفق مفتوح للمستقبل وأداة لبناء وعي جمعي قادر على مواجهة تحديات العولمة والصراعات الهوياتية. فالثقافة الشعبية، بما تحمله من مرونة وقدرة على التجدد، تظل الحصن الأخير لصون الخصوصية الحضارية للمجتمعات المغاربية، وضمان استمرارها في عالم سريع التغير. ومن هنا، فإن الرهان الحقيقي يكمن في بناء ثقافة جامعة لا مجزأة، تحتضن كل أبناء المنطقة وتمنحهم الإحساس بالانتماء والفخر، بعيدًا عن الخطابات الإقصائية أو النزعات الضيقة.

خاتمة:
قد تجاوزت الثقافة الشعبية في المغرب العربي حدود كونها مجرد تراث موروث أو ذاكرة جامدة، لتغدو كائنًا حيًا نابضًا بالحياة، يتفاعل مع المجتمع ويواكب تحوّلاته المستمرة، ويعكس في تفاصيله صراعات الناس وتطلعاتهم وآمالهم. فهي ليست فقط وعاءً يحمل الماضي، بل أداة أساسية لفهم الذات الجماعية، ووسيلة لإعادة إنتاج الهوية في مواجهة تحديات العولمة والتغيرات السريعة التي يشهدها العالم. تلعب الثقافة الشعبية دور الجسر الذي يربط بين الأجيال، ويجمع بين مختلف المكونات العرقية والثقافية، فتخلق فضاءً مشتركًا للحوار والتلاقي، وتمنح الجميع شعورًا بالانتماء مهما اختلفت أصولهم أو لغاتهم.
في ظل التحولات العميقة التي يشهدها المغرب العربي، تزداد الحاجة إلى تجاوز الخطابات الإقصائية والانفتاح على جميع روافد الهوية المغاربية، بما يضمن بناء مجتمع متماسك قادر على استيعاب التحولات دون أن يفقد خصوصيته الحضارية. فالثقافة الشعبية ليست مجرد مرآة تعكس الماضي، بل هي أيضًا أفق مفتوح للمستقبل، ومختبر حي لبناء هوية مغاربية جامعة تحتضن كل أبنائها وتمنحهم القدرة على الإبداع والتجدد. إن الحفاظ على هذا الإرث الحي وتطويره يتطلب وعيًا جماعيًا بأهميته، وجهودًا متواصلة لصون التعدد والاحتفاء به، بعيدًا عن النزعات الضيقة أو الخطابات الإقصائية.
من هنا، تبرز الثقافة الشعبية العربية كركيزة أساسية لصون التماسك الاجتماعي وتعزيز القدرة على مواجهة تحديات العصر بثقة ووعي أصيل. فهي ليست فقط ذاكرة للماضي، بل مشروع مستقبلي يضمن استمرارية الهوية المغاربية وثراءها، ويمنح الأجيال القادمة القدرة على الإبداع والتجدد في عالم سريع التغير.