آخر تحديث :السبت-06 ديسمبر 2025-01:13م

مجلة جرهم


الفتنة في كتاب الله .. واحديــة اللفظ وتعـــدد المقطاصد

الفتنة في كتاب الله .. واحديــة اللفظ وتعـــدد المقطاصد

السبت - 06 ديسمبر 2025 - 01:13 م بتوقيت عدن

- مجلة جرهم ــ بكر الشامي


في صورة جمالية بديعة وبِحَبْكٍ قرآني فريد تتجلّى ألفاظ القرآن الكريم متّحدة في اللفظ, متعددة في المعنى, غنية بالدلالات متنوّعة في الأساليب، توحي بعظمة المتكلِّم سبحانه وتعالى، ففي كل لفظٍ منها عوالم من الحكم وجداول من التشريع, تصب كلها في مقاصد ربانية تسعى إلى تزكية الإنسان وتهذيبه وإرشاده إلى ما هو أنفع له في دينه ودنياه.. من هذا المنطلق نأخذ لفظ "الفتنة" في القرآن الكريم مثالًا بيّنًا على هذا التنّوع الدلالي والغنى المقصدي الذي يستحق التأمل والبيان, كما أن لفظ الفتنة من أكثر المفاهيم تداولًا في النصوص القرآنية.

شرعية ولغوية
تأتي الفتنة في لسان العرب على معانٍ شتى وصور متعددة فهي الإحراق بالنار, ومنه قولهم: فتنتُ الذهب إذا أحرقته، وفي الاصطلاح القرآني تدور معاني الفتنة حول: الاختبار، والكفر، والنفاق، والخلاف، والابتلاء.. كما تنسب إلى المال والولد, وتشير كذلك إلى تسلّط الأعداء، وقد لخّص ابن الأعرابي هذه المعاني بقوله: 'الفتنة: الاختبار، والفتنة: المحنة، والفتنة: المال، والفتنة: الأولاد، والفتنة: الكفر، والفتنة: اختلاف الناس بالآراء، والفتنة: الإحراق بالنار، "لسان العرب لابن منظور".
وسنتناول الفتنة في هذا المقال من منظور القرآن الكريم، لا سيّما أنها وردت في مواضع متعددة منه ولأغراض متنوعة تُعبّر كلّها عن طبيعة الفتنة ووجهها المتغيّر بحسب السياق.
أنواع الفتنة في القرآن:
الفتنة في الدين
إن أعظم ما يملكه العبد المسلم في دنياه هو دينه، فبالدين صلاح دنياه وآخرته، وبه يُحفظ من الضلال، وينجو يوم لا ينفع مال ولا بنون، ولذلك كان من تمام حكمة الله تعالى وعدله أن يبتلي عباده ويمتحنهم في هذا الدين ليميز المخلص من المدعي والمطيع من العاصي والثابت من المتقلب، قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يُلقي الشيطان ثم يُحكم الله آياته والله عليم حكيم * ليجعل ما يُلقي الشيطان فتنةً للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد} [الحج: 52-53]،
فهذه فتنة تتعلق بالشبهات والتأويلات الباطلة التي يلبّس بها الشيطان على الناس ليصدّهم عن الحق ويوردهم المهالك.
ومنه السحر والسحرة كما في قوله تعالى: {ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر... وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر} [البقرة: 102]، فالسحر كان فتنة ابتُلي بها بنو إسرائيل فكان فيها تمحيص للمؤمنين وامتحان لاتباع الحق.
ولم تقتصر الفتنة في الدين على الشبهات أو المحرمات الظاهرة بل امتدت إلى النعم والمباحات التي قد تُنسي العبد ربه إن لم يُحسن شكرها قال جل وعلا: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} [الأنبياء: 35]، وفي ذلك قال الشاعر:
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت
ويبتلي الله بعض الناس بالنعم.

الجاه والمنصب
تميل النفس البشرية بطبيعتها إلى السمو والعلو، وتتشوق لنيل المكانة والرفعة، وتبذل في سبيل ذلك الغالي والنفيس ظنًا منها أن هذه الغاية هي تمام السعادة وكمال المقاصد، وفيما رواه الترمذي عبّر النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك فقال: "ما ذِئبانِ جائعانِ أُرْسِلا في غنَمٍ ، بأفسدَ لَها من حِرصِ المَرءِ علَى المالِ والشَّرَفِ لدينِه"..
من يتأمل في سير الأمم الغابرة يدرك أن أغلب الصراعات والنزاعات كانت بدافع السعي إلى الجاه أو الخوف من زوال المنصب، ومن ذلك قصة عظيم الروم الذي كاد أن يُسلم لما رأى نور الحق، ولكنه لما أبصر حاشيته تضطرب اضطراب الحُمُر الوحشية تراجع عن قراره وفضل مُلكه على الإيمان، فكانت فتنته في منصبه أعظم من بصيرته بالحق وصدق الله إذ يقول: {ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا} [المائدة: 41]..
والجاه والمنصب وإن كانا في ظاهر الأمر نعمة إلا أنهما يحملان بلاءً عظيمًا يتمثل في حب التملك والرغبة في التفرد والسعي للهيمنة والتحكم، وهو ما قد يجرّ الإنسان إلى البغي والظلم والتعدي على حقوق الخلق، إلا من عصمه الله وأعانه وسدده، ولأجل ذلك جاءت الشريعة بالتحذير من التعلّق بالمناصب دون قدرة على تحمل المسؤولية وخبرة كافية في إدارة المنصب لما في ذلك من الفتنة والإفساد، فالمناصب أمانة وكلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته.
الفتنة بالمال والولد:
ومن الفتن التي حذّر الله تعالى منها العباد أيضًا فتنة المال والولد، وقد جاء ذكرهما في القرآن الكريم في مواضع عدة متلازمَين حينًا ومفترقين حينًا آخر، فقرن بينهما وبين الفتنة تارة وبين الزينة تارة أخرى، وفي مواضع التحذير والتهديد كذلك، وذلك لما لهما من تأثير بالغ في سلوك الإنسان وميزان استقامته، قال تعالى: {إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم} [التغابن: 15]، وقال أيضًا: {يا أيها الذين آمنوا لا تُلهِكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون} [المنافقون: 9]، كما جاء التنبيه إلى أن بعض الأولاد قد يكونون عونًا للشيطان في عداوته للإنسان فقال سبحانه: {إن من أزواجكم وأولادكم عدوًّا لكم فاحذروهم} [التغابن:14]، وهذا كله يدل على أن المال والولد ليسا شرًّا في ذاتهما بل موضع ابتلاء واختبار, فإن استُعمِلا في طاعة الله كانا نعمة وإن أشغلا عن العبادة أو قادا إلى الحرام كانا فتنة قد تُورد صاحبها المهالك.. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن طبيعة الفتن التي تصيب كل أمة فقال: "لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال" ( رواه الترمذي )، وهكذا أصبح المال رأس الفتن في هذه الأمة ومن أجله وقع الظلم واشتعلت الصراعات وسُفكت الدماء وهُتكت الأعراض وضاعت القيم وانشغل كثير من الناس بجمعه عن أداء الواجبات, وغفلوا عن ربهم ومعادهم, وهذه هي فتنته الواردة في الحديث السالف الذكر.. فالتحذير الرباني والنبوي من فتنة المال والولد جاء ليوقظ القلب المؤمن ويُرشده إلى حسن التوازن في التعامل معهما فيجعل المال وسيلة لا غاية, ويربي الولد على التقوى لا على الترف والأنانية، وبهذا ينجو العبد من الفتنة ويُفلح في دنياه وأخراه.

فتنة الاستعلاء
اقتضت حكمة الله البالغة أن يجعل من عباده أغنياء وابتلى آخرين بالفقر والحاجة اختبارًا وفتنة لكلٍّ منهم، فمن الأغنياء من شكر نعمته فتواضع وتفقّه وأحسن إلى الخلق وأنفق وتصدق مما آتاه الله، فكان ماله سببًا للرفعة في الدنيا والآخرة، ومن الفقراء من صبر على بلائه ولم يتسخّط ولم يتطلع إلى ما في أيدي الناس مسترشدًا بالتوجيه الرباني الكريم: { وَلَا تَمُدَّنَّ عَیۡنَیۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦۤ أَزۡوَ ٰ⁠جࣰا مِّنۡهُمۡ زَهۡرَةَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا لِنَفۡتِنَهُمۡ فِیهِۚ وَرِزۡقُ رَبِّكَ خَیۡرࣱ وَأَبۡقَىٰ } [سُورَةُ طه: ١٣١]، مدركًا أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن لحكمة الله في قضائه أسرارًا لا يعلمها إلا هو, وأن عاقبة الصبر خيرٌ له في الدنيا والآخرة، وقد أشار القرآن إلى هذه الحكمة العظيمة بقوله تعالى: [وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرًا} [الفرقان: 20]، فهكذا يكون الغني فتنة للفقير والفقير فتنة للغني, والابتلاء في كل حال قائم والميزان في ذلك كله هو الصبر والتقوى.

فتنة المنافقين
كان من تمام حكمة الله تعالى أن يبتلي عباده المؤمنين –من الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم بإحسان– بأقوام من أهل الشر والدسائس يتربصون بهم ويكيدون لهم ويثيرون الفتن في صفوفهم ليعكروا صفو مسيرتهم ويصدوا الناس عن دعوتهم .
وهؤلاء هم المنافقون الذين ما فتئوا يُظهرون للناس وجوه النصح والإصلاح وهم في حقيقتهم مخذّلون مثبّطون يسعون لزرع الشك وزعزعة الصف والتفريق بين القلوب.
فقد كانوا -كما وصفهم الله- يتقلبون في كل حال ويبتغون الفتنة عند كل فرصة قال تعالى في سورة التوبة: { لَقَدِ ٱبۡتَغَوُا۟ ٱلۡفِتۡنَةَ مِن قَبۡلُ وَقَلَّبُوا۟ لَكَ ٱلۡأُمُورَ حَتَّىٰ جَاۤءَ ٱلۡحَقُّ وَظَهَرَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَهُمۡ كَـٰرِهُونَ } [التوبة: 48]، وهكذا هم في حال الخروج مع المؤمنين لا يزيدونهم إلا فسادًا وارتباكًا قال تعالى عنهم في السورة نفسها: {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالًا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين} [التوبة: 47]، يبغونكم الفتنة أي يطلبون لكم ما تفتنون به، عن مخرجكم في مغزاكم، بتثبيطهم إياكم عنه.
ففتنة المنافقين من أشد الفتن خطرًا لأنها فتنة داخلية تنشأ من أهل اللسان والطبع لا من ظاهر العداوة، وهم يتكلمون بلغتنا ويدّعون ديننا لكنهم يطعنون في خاصرتنا كلما سنحت الفرصة، وقد أنزل الله سورة كاملة باسم المنافقين وقال فيها وفيهم: {هم العدو فاحذرهم} [المنافقون: 4]..

حتى لا تكون فتنة
كان الكفار على مدار التاريخ يقفون سدًّا منيعًا في وجه دعوات الأنبياء مستغلين سلطانهم وقوة نفوذهم لاضطهاد الرسل وأتباعهم وتعذيب من آمن وتشريدهم, بل وقتلهم في كثير من الأحوال.
وقد بالغ بنو إسرائيل –كما وصفهم القرآن– في سفك دماء أنبيائهم والنيل من صالحيهم, ففتنوا أتباعهم وأضعفوا الدعوة ونشروا الرعب والبطش في وجه كل من أراد النجاة باتباع الحق, كما هو ديدنهم اليوم في الأراضي المقدسة كبتهم الله وأذلهم وأخزاهم، وحين عجز أعداء الله عن مواجهة الحجة بالحجة والبيان بالبرهان لجؤوا إلى فتنة الناس بالقتل والتحريق والسجن والنفي والتشويه فما كان من رحمة الله بعباده إلا أن شرع الجهاد إقامةً لشرعه ودفعًا لعدوان أعدائه وصيانةً لحرية العقيدة من طغيان المستكبرين، وقد جاءت آيات القرآن تُقرّر هذا المعنى العظيم، فقال تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} [الأنفال: 39]، وقال في موضع آخر: {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق} [البروج: 10]..
فالمراد بـ"الفتنة" هنا الشرك والصد عن سبيل الله والاضطهاد في الدين، وهي من أعظم ما جاء الجهاد الشرعي لرفعه لا لإكراه الناس على الدين ولكن لإزالة الحواجز الظالمة التي تمنعهم من سماع الحق واختياره بحرية وعبادة خالقهم دون خوف أو قهر .
فالإسلام لم يبدأ الناس بالقتال فرضًا للعقيدة بالقوة، بل قاتل لرفع الفتنة وإظهار الدين وكفّ أذى المعتدين، حتى يَعبد الناسُ ربهم على بصيرة دون أن يفتنهم أحد أو يُضلهم بالإكراه والبطش..

حين تُدركنا الفتن
إن ملازمة الفتن حياة العباد أمر كوني وقضاء أزلي جعله الله تمحيصًا لهم وتنقيةً لقلوبهم ورفعًا لدرجاتهم وتثبيتًا لأقدامهم، فالدنيا بطبيعتها دار ابتلاء وامتحان لا تخلو من الأكدار والمنغصات، وتلك سنة الحياة, أما السلامة التامة والنعيم المقيم فهما في الجنة لا سواها .
ولا يعني وجود الفتن بحالٍ من الأحوال أن الله تعالى يُثقِل على عباده بما لا يطيقون -حاشاه سبحانه- بل هو ابتلاء بحكمته ولطفه ليميز الصادق من الكاذب والصابر من الجازع, كما قال جل شأنه في بداية سورة العنكبوت: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: 2], قال الحسن البصري رحمه الله في تفسيرها: "إنهم والله لو كانوا في العافية لقالوا: آمنا، فإذا ابتلوا رجعوا عن دينهم، فالمؤمن يُفتن ثم يصبر، والمؤمن كالسبيكة من الذهب، كلما أُدخِلت النار تبينت جودتها وحقيقتها، إلى ذلك قال ابن القيم رحمه الله: "في هذه الآية إشارة إلى أن مجرد الدعوى لا تكفي، بل لا بد من الصبر على الفتن والابتلاءات، فالإيمان ليس كلمة تُقال، بل طريق يُسلك، ومحنة تُحتمل، ذلك أنه بعد الابتلاء والاختبار تظهر معادن النفوس ويتمايز الصف ويعرف الصادق في دعواه من المدّعي ولهذا جاء بعدها قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 3]..
ومن كمال عقل المؤمن أن يتأمل في حاله وينظر كيف يتعامل مع الفتن بأنواعها ليزداد بصيرة ويملأ قلبه يقينًا ويبحث عن كل ما يعينه على الثبات، فلا يغتر بعقله أو علمه أو مكانته فإنها لا تُغني عنه شيئًا إن تخلى عنه التوفيق، كما قيل:
إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى
فأول ما يجني عليه اجتهادهُ..
وإن من أعظم مظاهر رحمة الله بالمؤمنين أنه لم يتركهم في مواجهة الفتن دون زاد أو هدى بل أرشدهم إلى أسباب النجاة ووسائل السلامة التي تحفظ عليهم دينهم وتثبت أقدامهم حتى تمرّ الفتن دون زلل أو تيه ولعل من أقربها نفعًا وأثبتها دوامًا:
- الرجوع إلى الكتاب والسنة
قال الله تعالى : {وإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 43]، وقال عليه الصلاة والسلام: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنتي"، فالاعتصام بالوحيين هو صمام الأمان في زمن التيه والاضطراب.
- العلم والبصيرة : قال تعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة} [يوسف: 108]، فالعلم الشرعي يحصّن القلب من المزالق ويمنح المؤمن قدرة على التمييز بين الحق والباطل في وقت اشتداد الغبش .
- لزوم جماعة المسلمين وإمامهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليك بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة"، فالفرقة باب للفتنة، والاختلاف طريق للضعف، والنجاة منهما غالبًا في لزوم الجماعة والطاعة في المعروف.
- كفّ اللسان إلا بخير: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي..." رواه البخاري، ونحن في زمن يعج بالفتن والشائعات وألوان الباطل المختلفة، وفيه ربما يكون الحديث إسهامًا في نشر ذلك الباطل أو الشائعة, خاصة إذا قامت على الزيف والتضليل والخداع، وفي هذا تبرز أهمية الالتزام بالقول المأثور: "أميتوا الباطل بهجره، وأحيوا الحق بذكره"، وهنا يكون الصمت عن الباطل خيرًا من الكلام المثير، والنقل غير الموثوق يُشعل الفتنة أكثر مما يطفئها.
- الالتجاء إلى الله : كان النبي ﷺ يكثر من قوله: "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"، فلا ملجأ في الفتن إلا الله ولا مخرج منها إلا بالثبات الذي لا يُنال إلا بعونه.. ويبقى من المهم النظر في العواقب والاعتبار بمن سبق, فالعاقل في زمن الفتنة لا يُقدم على قول أو فعل حتى يتأمل عواقبه ويتبصر فيمن سبق ووقع في الفوضى كيف خسر دنياه ودينه معًا.
وختامًا
فإن الفتن سُنّة ماضية لكنها لا تدوم, وقد جعل الله للمؤمنين سُبلًا للنجاة منها، فعليهم أن يتمسكوا بالحق ويتثبتوا في القول والعمل, ويسألوا ربهم السلامة والثبات, فإن من ثبت على الحق في زمن الفتنة كان له عند الله أجر عظيم .