آخر تحديث :الخميس-06 نوفمبر 2025-06:35ص

مجلة جرهم


الوعي النقدي في مواجهــة الاستلاب الثقافي والتفاهة الفكرية

الوعي النقدي  في مواجهــة الاستلاب الثقافي والتفاهة الفكرية

الخميس - 06 نوفمبر 2025 - 06:35 ص بتوقيت عدن

- مجلة جرهم ــ أ .د. فؤاد البعداني ـ باحث في الثقافةوالفكر الإسلامي ـ اليمن في جامعة عين شمس


مدخل:
حين يُفرض على مجتمعٍ ما نسق فكري أو ديني أو سلوكي خارجي عبر القوة أو التغلغل المنهجي، فإن النتيجة الطبيعية هي تشوّه العقيدة الدينية والهوية الوطنية لذلك المجتمع، فالهوية ليست شعارًا سياسيًا، بل هي شعور داخلي بالانتماء، وارتباط بالتاريخ والرموز واللغة والدين والذاكرة الجماعية. وحين تُقتلع هذه المكونات أو يُعاد تشكيلها، فإن ما ينشأ ليس فقط هوية جديدة، بل هوية هجينة مضطربة، تُخضع ولاء الأفراد لمرجعية خارجة عن سياقهم الديني والتاريخي والجغرافي.
في مطلع القرن السادس عشر، برزت الدولة الصفوية في إيران بقيادة إسماعيل الصفوي، الذي قرر منذ بدايات حكمه أن يجعل المذهب الشيعي الاثني عشري هو العقيدة الرسمية للدولة، رغم أن إيران حينها كانت ذات أغلبية سنية (شافعية وحنفية بشكل خاص)، بل وكان قد خرج منها كبار أئمة الحديث والفقه، إلا أن الصفويون مارسوا عليهم استلابًا ثقافيًا مركبًا، وقاموا بفرض ثقافة بديلة على المجتمع الإيراني بقصد طمس هويته الأصلية، بل وجرى إعدام عشرات الآلاف من علماء السنة ومريديهم، وهُدمت المساجد والمراكز الدينية والمدارس التابعة للمذهب السني، في حين تم جلب علماء من جبل عامل في جنوب لبنان، وتوطينهم في إيران لتأسيس طبقة دينية شيعية، وطمس وتغييب تاريخ علماء السنة ومؤلفاتهم من التراث الإيراني.
واستمر الأمر، فبعد انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، أُعيد تفعيل ذات المشروع، ولكن بأساليب أخرى، عبر ما يسمى "تصدير الثورة"، فإلى جانب الشعارات السياسية، امتد الأمر إلى إعادة إنتاج الوعي الديني والثقافي لدى شعوب عربية متعددة وهو ما شهدته العراق ولبنان وسورية واليمن وغيرها، وهو الأمر الذي أصبحت بموجبه عدد من المجتمعات العربية تُعرّف نفسها طائفيًا قبل أن تُعرّف نفسها وطنيًا.. حتى صار من الملاحظ أن الفرد لا يعود فيقول: "أنا عراقي"، بل "أنا شيعي"، ولا يقول "أنا سوري"، بل "أنا علوي" أو "أنا من أنصار زينب"، وهو الأمر الذي أصبح واضحًا في دول مثل اليمن ولبنان، إذ أصبح الأمر مشروعًا ثقافيًا مغلقًا ومسلحًا، والأنكى من ذلك أن هذه الهوية الجديدة لا تتسق دائمًا مع مفاهيم المواطنة أو الدولة، بل تُعارضها ضمنيًا أو علنًا، وتُقدّم الولاء المذهبي على السيادة الوطنية.
هذا كله يحدث في بيئة عربية كانت -ولا تزال- في كثير من مواقعها تفتقر إلى الحصانة الثقافية والوعي النقدي. ذلك حين تغيب المؤسسات التعليمية الواعية، ويتراجع الاجتهاد الفقهي السني، وتضعف الهوية الوطنية والثقافية الجامعة، يصبح المجتمع فريسة سهلة لمشاريع الاستلاب.. إذ يُعاد تشكيل وعيه من خلال سرديات جديدة: سردية المظلومية، والولاء للرموز الدينية العابرة للوطن، وتقديس رموز الثورة الإيرانية، حتى في مجتمعات لا تمت لهذا السياق بصلة، ليعيد بناءها وفق نموذج مذهبي– سياسي مرتبط تمامًا بالمركز الإيراني..
بناء على ما سبق، برزت الحاجة الملحة إلى معرفة ماهية الاستلاب الثقافي والتفاهة الفكرية والعلاقة بينهما، وعوامل انتشارهما وأهمية الوعي النقدي في التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة ومواجهتها، وهو ما سنركز عليه في هذه المادة بنوع من التوضيح والاختصار نظرًا لسعة الموضوع وتشعباته...

مفاهيم وتوضيحات
يتمثل الوعي النقدي في قدرة الفرد على تحليل المعلومات والأفكار وتقييمها بشكل موضوعي ومستقل، ففي ظل التحديات الثقافية والفكرية التي نواجهها في هذا العصر، إذ يصبح الوعي النقدي أداة فكريةً وثقافيةً حيويةً أساسية لمواجهة الاستلاب الثقافي والتفاهة الفكرية، حيث إن الاستلاب الثقافي يشير إلى فرض ثقافةٍ معينةٍ على مجتمعٍ ما، مما يؤدي إلى طمس الهوية الثقافية الأصلية. أما التفاهة الفكرية فتتمثل في انتشار الأفكار السطحية والتافهة التي تفتقر إلى العمق والمنطق والصلاحية والقبول، ولها مردودٌ سلبي على عقل الفرد والمجتمع والقيم.
وللاستلاب الثقافي مظاهر عديدة تؤكد على الانعكاس السلبي للمجتمعات المستلبة، بيد أن أخطرها يتمثل في فقدان الهوية الثقافية؛ التي تتجلى بوضوحٍ عندما تُفرض ثقافة معينة على مجتمعٍ ما، فتصبح النتيجة الحتمية لذلك؛ أن يفقد هذا المجتمع تدريجيًا ملامحه الثقافية الفريدة، وتتحول سريعًا إلى ثقافةٍ مشوهة، الأمر الذي قد يؤدي إلى فقدان التنوع الثقافي، الذي يغني المجتمع بالمعاني والمفاهيم والأفكار والقيم. كما يمكن أن يؤدي الاستلاب الثقافي إلى انعدام الثقة بالذات مع تعزيز النظرة الدونية للهوية الشخصية للفرد وللمجتمع؛ مما يؤثر سلبًا على تماسك المجتمع وقوته.
وثمة مظهرٌ آخر للاستلاب الثقافي لا يقل خطورةً عما سبق، يتمثّلُ في تبنّي العادات والتقاليد الدخيلة على المجتمع، حيث يبدأ أفراد المجتمع في تبني عادات وتقاليد لا تتلاءم مع قيم المجتمع الدينية والأخلاقية وثقافته وتقاليده؛ مما يؤدي في المحصلة إلى حدوث تغييرٍ في نمط حياتهم، وثقافتهم، ولغتهم التي تتغير من اللغة الأصيلة إلى اللغات الأجنبية المفروضة بسبب ذلك الاستلاب كما كان حاصلًا نتيجة الاستعمار الغربي لبعض البلدان العربية، وأيضًا السيطرة الإيرانية على عدد من العواصم العربية الأمر الذي كان محصلته انتشار اللغة الفارسية وتعميم المذاهب الشيعية.
على الجانب الآخر للموضوع، يشير مفهوم التفاهة الفكرية إلى شيوع الأفكار السطحية والتافهة والرديئة التي تفتقر إلى العمق والمنطق والقابلية والنفع العام، الأمر الذي يسهم في تدهور الخطاب الثقافي والفكري والإعلامي، ويؤثر على قدرة الأفراد على التفكير النقدي والمنطقي.
وتنتشر التفاهة الفكرية عندما تُصبح الأفكار السطحية والرديئة هي المهيمنة على حساب العمق والدقة، فهذا يؤدي إلى انخفاض مستوى الحوار والتثاقف العام؛ مما يؤثر على قدرة المجتمعات على معالجة القضايا المعقدة بفعالية.
وباختصار، فإن التفاهة الفكرية؛ ظاهرةٌ خطيرةٌ تؤثر على المجتمع والشباب بشكل خاص، وتعد منصات التواصل الاجتماعي أبرز أدوات تكريس الرداءة وانتكاس الذوق العام، مما يمكن أن يؤثر على الهوية الثقافية والقيم الأخلاقية للمجتمع.

أدوات ومظاهر
في حين يختلف الاستلاب الطائفي الذي مارسته الثورة الإيرانية قليلًا عن تجربة الاستعمار الحديث في بعض الأدوات والغايات.. إلا أنه من خلال استقراء تبعات الاستعمار على المجتمعات العربية المستعمرة خلال النصف الأول من القرن الماضي والذي قبله، بدا جليًّا أن الاستعمار لم يكن مجرد سيطرة سياسية واقتصادية، بل كان مشروعًا ثقافيًا متكاملًا، هدفه اقتلاع هوية المجتمعات واستبدالها بثقافة المستعمِر، وما ترتب على ذلك من تفكك في الذات الوطنية وتحولات جذرية في السلوك الجمعي والتصورات التاريخية والدينية.
فحين دخل الاستعمار الأوروبي إلى العالم العربي –فرنسا في الجزائر وتونس والمغرب وسورية ولبنان، وبريطانيا في مصر والسودان والعراق واليمن– لم يكن هدفه نهب الموارد فقط، بل سعى إلى إعادة تشكيل العقول والنفوس والوعي العام للمجتمعات التي خضع لها.
الفرنسيون -على سبيل المثال- حين دخلوا الجزائر عام 1830، أعلنوا صراحة أن هدفهم ليس فقط إخضاع الأرض، بل تحويل الجزائر إلى جزء من فرنسا ثقافيًا وتعليميًا. فالاستعمار كان يدرك جيدًا أن السيطرة السياسية لا تدوم إلا إذا تحققت عبر السيطرة على الوعي الثقافي، وهو الأمر الذي عملوا عليه عبر الكثير من الممارسات، فقد استُبدلت اللغة العربية بالفرنسية، وأُغلقت الكتاتيب، وحُوصرت الشريعة، وتم تفكيك مؤسسة الوقف الإسلامي، وتم تعميم المدارس التي تُدرّس الفلسفة والآداب والتاريخ الفرنسي، وتم محو التاريخ الإسلامي من المناهج التعليمية، وتم تقديم الثقافة الفرنسية بوصفها بديلًا راقيًا وحداثيًا عن الثقافة العربية الإسلامية "المتخلفة" كما وصفوها.
وبهذا كان الاستعمار هو المؤسس الرئيس للاستلاب الثقافي، لا سيما الاستعمار المتطرف أو الغزو الفكري الذي يركز على التغيير الثقافي والاجتماعي، حيث تم من خلال أدواته ووسائله فرض ثقافة المُستعمِر على المجتمع العربي، والذي نلاحظ تكرار بعض أساليبه حاليًّا من خلال وسائطه العالمية..
إلى جانب الاستعمار، هناك أدوات ومظاهر أخرى للاستلاب الثقافي نذكر منها:
- الترويج الثقافي: ويتمثّل في ترويج الثقافة المفروضة من خلال وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، والتعليم مسلوب الخصوصية التعليمية والثقافية والمنهجية، وكافة الفعاليات والمناشط الثقافية المنحازة للثقافة المفروضة.
- التماهي الثقافي: ويتمثل في محاولة المجتمعات المحلية التماهي مع الثقافة المفروضة والغالبة، مما يؤدي إلى فقدان الهوية الثقافية الأصلية.
- الاستيعاب الثقافي: ويظهر في محاولة المجتمعات الضعيفة استيعاب الثقافة المفروضة عليها بشكلٍ غير مباشر والتفاعل معها، كما هي العولمة اليوم بمختلف مساراتها التي تنتهي بالوجبات الشهيرة؛ مما يؤدي إلى تغيير واضحٍ وواسعٍ في نمط حياتهم وثقافتهم .
- التكنولوجيا والإعلام: التكنولوجيا والإعلام يمكن أن يكونا أداتين قويتين في نشر الثقافة المفروضة وتأثيرها على المجتمعات الأخرى، لما لهما من قوة حضور وتأثيرٍ وفاعليةٍ وسرعة تماهٍ معها وانسياقٍ خلف بريقها. ولا أذهب بعيدًا إن ادعيتُ أن التكنولوجيا والإعلام يصنعان اليوم ثقافة الجيل المعاصر ويمارسان أشدَّ أنواع الاستلاب الثقافي.
- التجارة والاقتصاد: وهما يلعبان دورًا في نشر الثقافة المفروضة، حيث يتم استيراد السلع التي تحمل ثقافةً معينة، كما هو حاصلٌ اليوم من خلال ثقافة اللبس والطعام الغربي، وانتشار مطاعم الوجبات السريعة بشكلٍ لافتٍ في سياق العولمة الاقتصادية.

ما بين الاستلاب والتفاهة
إذا ما نظرنا مثلًا إلى الواقع اليمني خلال العقد الأخير سنلاحظ مدى اقتران عملية الاستلاب الثقافي والتفاهة الفكرية في أساليب وممارسات الحوثيين وشعاراتهم وطقوسهم ومناسباتهم، حيث تبدو أحاديثهم ومحاضراتهم ودوراتهم وثقافتهم قائمة على الخرافات والكذب والتزييف والتحريف والتضليل، وهو نفس الأسلوب الممجوج والممارسات القائمة لدى كثير من معممي ومعلمي الشيعة, والهادفة إلى تغييب العقل وتغيير المعتقدات وتزييف الهوية، لإحلال هوية أخرى مستوردة من إيران وفكر آخر بعيد عن الهوية الوطنية والمعتقدات الدينية للشعب اليمني، الأمر الذي يعكس لنا نموذجًا واقعيًا حاليًّا وحيًّا لما يمكن تسميته: "استلابًا ثقافيًا مغلفًا بالتفاهة الفكرية".
في هذا النوع من التشييع القسري، يمارس الحوثيون عملية تطويع ممنهجة, وتطبيع نفسي مع نظام من الخرافات والولاءات المفرطة لرموزهم الدينية. ويتم ذلك بتكرار مكثّف، وتقديس مفرط للـ"سيد"، وبتشويه الرموز التاريخية المخالفة، وهو ما يجعلهم يستهدفون بكثرة كل من يحاول أن يفند خرافاتهم وبدعهم، كما يحصل عند انتقاد العلماء المجددين أمثال الإمام محمد عبد الوهاب في المملكة العربية السعودية, وغيره من العلماء على امتداد الوطن العربي، ناهيك عن لعن الصحابة وسب التابعين والرواة، وهلم جرّا من المغالطات والروايات المزورة في هذا الجانب، كل ذلك من أجل أن تُصبح الهوية الدينية والوطنية للشعب اليمني منسلخة عن عمقها التاريخي والديني، عبر إنتاج إنسان جديد بوعي مشوّه، مشبع بالخوف من الانتقاد أو البحث عن الحقيقة، بل والولاء للسيد لا للفكرة، والانتماء المستورد لا الانتماء الوطني، ومثل هذا الإنسان لا يستطيع أن يناقش أو يعترض، بل يكون أداة طيّعة لتلك السلطة، ولو كانت قائمة على الخرافة، وهنا يفقد المجتمع مناعته الفكرية والثقافية، فلا يستغرب الخرافة، ولا يميز بين حديث موضوع وروايات مغلوطة وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، بل ويتطبع معها نفسيًا كأنها من الدين.

انعكاسات التفاهة الفكرية
مثّل ما سبق نموذجًا تطبيقيًا لعملية الاستلاب الثقافي المقترنة بالتفاهة المتعلقة بالجانب الفكري، وعمومًا تظل للتفاهة وبخاصة الفكرية، وعلى اختلاف وسائلها وممارساتها أيضًا، تظل لها انعكاساتها المتعددة والخطيرة على الفرد والمجتمع.. يمكننا الوقوف على أبرزها:
1. تدهور الخطاب الثقافي: فالتفاهة الفكرية بلا شك لها دورها البالغ في تدهور الخطاب الثقافي والفكري، حيث تُصبح الأفكار السطحية هي الرائجة والمهيمنة على عقول الأفراد وثقافة المجتمع السائدة.
2. فقدان القدرة على التفكير النقدي: لأن التفاهة الفكرية تؤدي إلى فقدان القدرة على التفكير النقدي والمنطقي، يصبح الأفراد أكثر ميلًا لقبول الأفكار من أي مصدرٍ جاءت، وبأي وسيلةٍ وصلت دون إخضاعها للنقد والتمحيص.
3. التأثير على الهوية الثقافية: تؤثر التفاهة الفكرية على الهوية الثقافية للمجتمع، فتسوده الثقافة السطحية والتافهة التي يتم الترويج لها بكافة الوسائط، لدرجة تقبُّلها واستساغتها والتماهي والاندماج معها، حتى من أولئك الذين كانوا يقفون ضدها.
4. التأثير على الشباب: حيث يظهر جليًا مدى قدرة التفاهة الفكرية على التأثير على الشباب بالذات، واختراق عقولهم وأفكارهم وإحداث التغيير في مفاهيمهم وتصوراتهم وميولاتهم وأذواقهم؛ بل يمكن للتفاهة أن تؤدي إلى فقدانهم القدرة على التفكير النقدي والمنطقي المقبول ولو في حدوده الدنيا.

الوعي النقدي وأهميته:
بناء على ما سبق يبرز لدينا مدى الدور الحاسم والوظيفة الفعلية اللذين يؤديهما الوعي النقدي في مواجهة التفاهة الفكرية والرداءة الثقافية والاستلاب الممنهج، ويمكن تعريف الوعي النقدي هذا بأنه: القدرة على تحليل وتقييم المعلومات والأفكار بشكل موضوعي ومستقل؛ لإصدار الحكم الصحيح عليها.. فالوعي النقدي يساعد الأفراد على التمييز بين الأفكار العميقة والأفكار السطحية، ويساعدهم على التفكير النقدي والمنطقي في فوضى التفاهة وطغيان محتوياتها.
ومما لا شك فيه أن الوعي النقدي يمثّل ضرورةً حتميةً في مواجهة التحديات الثقافية والفكرية، فمن خلاله يمكن للأفراد القيام بتحليل الأفكار والمعلومات بشكل نقدي يقودهم إلى التمييز بين الحقائق والمغالطات والافتراءات والأفكار الخاطئة والمعلومات الصحيحة والأخرى الزائفة. كما يساهم الوعي النقدي في تعزيز التفكير المستقل، حيث يمكن الأفراد من تكوين آرائهم الخاصة بدلًا من قبول الأفكار المسبقة دون تمحيص.
وبناءً عليه؛ فإن دور الوعي النقدي في المواجهة يمكن أن يتحقق من خلال:
- تعزيز التفكير المستقل، ورفض الأفكار والأحكام المسبقة دون تمحيص، وهذا يستلزم التدريب على مناهج التفكير العلمي التي تُنمّي التفكير المستقل؛ من استقراء، وتحليل، ونقد، ومقارنة، واسترداد، واستنتاج.
- تقييم الأفكار، بشكل موضوعي، ليستطيع الأفراد التمييز بين الأفكار العميقة والأفكار السطحية. والتقييم لا يتأتى إلا بعد بناء العقل الواعي، وترسيخ الفهم الرشيد وفق مقوماته..
- تعزيز التفكير النقدي، الذي يأبى قبول كل شيءٍ دون إخضاعه للتفكير العلمي والنقد المنهجي؛ كي يُمكَّنُ الأفراد من اتخاذ قرارات مستنيرة صالحة للأخذ بها.
- تعزيز الحوار البنّاء بين الأفراد، وتمكينهم من مناقشة الأفكار، وتحليل المعلومات بشكل دقيق، مما يساعدهم على التمييز بين الحقائق والزيف، والتفريق بين الصواب والخطأ.
- التمييز بين الوعي النقدي والوعي الزائف: حيث يعتمد الوعي الزائف على الأفكار المسبقة والتحيزات الجدلية التي لم يتم اختبارها بعمق أو اختيارها بمحض الإرادة.. وهنا يمثل الوعي النقدي أداة قوية لفهم العالم من حولنا واتخاذ قرارات مستنيرة مبنية على أسس دينية أو علمية أو فكرية دقيقة..
وختامًا
تكمن استراتيجية الوعي النقدي في تعلُّم التفكير النقدي الذي من شأنه قراءة وتحليل وتقييم الأفكار والمعلومات وتمحيصها، وهذا يستلزم معرفة أسس القراءة النقدية من خلال فهم وتحليل وتقييم النصوص المختلفة، مع أهمية الدُّربة على النقاش وتبادل الأفكار والآراء والخبرات والتجارب، ثم ممارسة البحث والتحري.. وأخيرًا وفي ضوء ما تم طرحه، يتبيّن أن الاستلاب الثقافي والتفاهة الفكرية يشكلان خطرًا حقيقيًا على الهوية والوعي الجمعي.. ومواجهتهما لا تكون إلا بالارتقاء بمستوى الوعي النقدي وتعزيز الثقافة المنهجية المنطقية الواعية، كما أن تحصين المجتمع معرفيًا وأخلاقيًا مسؤولية جماعية تتطلب تكاملًا بين المؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والوطنية الأمر الذي يعتبر من الضرورة والأهمية معًا أخذه بعين الاعتبار في ظل التحديات القائمة إلى أن يعود الوطن إلى وضعه الطبيعي عما قريب إن شاء الله.